تتميز القدس المحتلة بمناخ البحر الأبيض المتوسط، حيث الشتاء المعتدل الرطب وهبوط الثلوج مرة إلى مرتين شتاءً، غير أنها تشهد تساقطًا كثيفًا للثلوج بين كل ثلاث إلى أربع سنوات، لكن الألبوم التالي ينقل لقطات المدينة الخالدة قبيل احتلالها، وهي مغطاة بالجليد؛ إذ تعود لعام 1917 بالتزامن مع دخول قائد المشاة الإنجليزي «ألنبي» إلى القدس. توثق الصور لقطات للمسجد الأقصى وأخرى للبلدة القديمة، فيما تبرز لقطات أخرى بعض المستوطنين يلهون فوق الجليد قبيل احتلال القدس. كيف كانت الأراضي المحتلة ولماذا دخلها «أللنبي»؟ كانت مدينة القدس محط أنظار القوى الكبرى عبر التاريخ؛ بدءًا من الفراعنة، واليونانيين، والرومانيين، ثم مرورًا بالأشوريين، والفرس، والبابليين، والعبرانيين، وصولًا إلى الاحتلال الصهيوني الذي استمد قوته من الاستعمار البريطاني، لكن تكتيك التهويد المتسلسل للقدس المحتلة بدأ في أعقاب انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل السويسرية عام 1897، بإعلان مؤسس الحركة الصهيونية الاستعمارية تيودور هرتزل، أن فلسطين، أو ما يسمونه «أرض الميعاد» هي الموطن الأنسب لجمع شتات مناصري الإيديولوجية الصهيونية من يهود أوروبا، مُدعيًا أن فلسطين «أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا وطن». دخل أصحاب المشروع الصهيوني إلى القدس المحتلة في البداية كتجار ومستثمرين، ثم تصاعدت وتيرة هروبهم إلى «أرض الميعاد» كأفواج من المهاجرين الفارين من التمييز والصراعات الأيدولوجية الأوروبية في القرن التاسع عشر. وتنفيذا لمشاريع بريطانية للتوطين، تردد صداها منذ القرن السابع عشر الميلادي على الأقل، تصاعدت وتيرة التدفق الصهيوني إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ منتصف القرن التاسع عشر. وفي عام 1840، أرسل رئيس الوزراء البريطاني، بالمرستون، إلى سفيره في الأستانة، حيث كانت فلسطين لاتزال تحت الاحتلال العثماني، طالبه بأن ينشط في متابعة طلبه من السلطان العثماني؛ لدعوة اليهود للذهاب إلى فلسطين، وأن يقدم له إغراءات مفادها أن ذلك سيزكيه في الأوساط الأوروبية، ويلقى بظلاله على أحوال السلطنة العثمانية. وقبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها ويتقاسم المنتصرون فيها تركة الإمبراطورية العثمانية، سارع وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور، في 2نوفمبر عام 1917، إلى كتابة رسالة إلى المصرفي البريطاني وأحد زعماء اليهود في بريطانيا البارون روتشيلد، فيما عرف بـ«وعد بلفور»؛ وهو بيانٌ علنيّ أصدره الإحتلال البريطاني، خلال الحرب العالمية الأولى لإعلان دعم تأسيس «وطن قوميّ» لمناصري الحركة الصهيونية من اليهود الأوروبيين، على الأراضي الفلسطينية لتنتقل القدس من مطرقة الاحتلال العثماني الذي دام لنحو خمسة قرون إلى سندان الاحتلال الإنجليزي، الذي قام بإحلال المشروع الصهيوني بالأراضي المحتلة، ومن ثم احتلالها وتقسيمها لإقامة ما يسمى بـ«دولة إسرائيل». «ألنمبي» يدخل القدس سيرًا على الأقدام دخل، السير إدموند اللنبي، القائد العام لقوة مشاة جيش الاحتلال الإنجليزي التي كانت تستوطن مصر، آنذاك، إلى القدس في الحادي عشر من ديسمبر عام 1917، سيرًا على الأقدام؛ احترامًا لمكانة المدينة المقدسة، معلنًا أن ذلك «احترامًا لقدسيتها»، حينها كانت موجات الهجرة اليهودية قد وجدت طريقها إلى المدينة المقدسة بالفعل؛ إذ حوت أسوار البلدة القديمة، خليطًا من الأجناس والأعراق. لمعت المدينة التاريخية في عيون الاحتلال الإنجليزي، وأصدر السير رونالد ستورز، أول حاكم عسكري بريطاني بالقدس، أمرًا بإعادة تخطيط المدينة مع الحفاظ على الطابع العام لها، لتحضيرها إلى المخطط الاستعماري. واستمرارًا لمخطط التهويد، أقام الاحتلال البريطاني، مركز هداسا الطبي والجامعة العبرية على جبل المشارف في القدس المحتلة، في ثلاثينات القرن الماضي، وقبيل إقامة دولة الاحتلال. 17 عامًا من التطهير والإحلال وبين العامين 1931 و1948 تحت كنف الانتداب البريطاني وبرعايته، نظمت عصابات «الإرجون» و«شتيرن» و«البالماخ» و«إتسل» الصهيونية المسلحة ذات التوجه الأيديولوجي القومي حملات منظمة لتطهير الفلسطينيين واقتلاعهم من مدن وقرى فلسطين؛ لإحلال اليهود، ارتكبت خلالها جرائم حرب بحق الشعب الشعب الفلسطيني؛ فقاموا بسلسلة عمليات نوعية، وارتكبوا مئات المجازر لإخلاء القدس والمدن المحيطة بها من سكانها؛ من بينها مجزرة السوق القديمة بالقدس عام 1937، ومذبحة مسجد القدس 1938، مجزرة باب العمود بالقدس عام 1947، مجزرة بوابة يافا في القدس عام 1948، مذبحة قرية ناصر الدين 1845، ومذبحة حيفا ومجزرة بينيامينا، ومذبحة دير ياسين إبريل 1948، ومذبحة عربون ومجزرة قرية الحولة وقرية اللد، ومجزرة الدوايمة، فقرية جمزو، وقرية أبو شوشة، والطنطورة وبيت دراس، وأيضًا مجزرة صفد، ومذبحة طبرية، ومذبحة قرية الخصاص1947، وطيرة1948، وقرية سعسع 1948، وغيرها. في حين نفذت مجموعات يهودية أخرى تفجيرات وهجمات ضد البريطانيين، بذريعة الاشتباه في «تواطؤهم مع العرب والقيود المفروضة على الهجرة خلال الحرب العالمية الثانية»، على حد زعمهم آنذاك. تصاعدت الاضطرابات والثورات الرافضة للاحتلال البريطاني في المنطقة العربية، وبحلول عام 1947 عاش واحد من كل ستة يهود في فلسطين في مدينة القدس أو «أرض الميعاد» كما يسمونها، كما تم إعلان ما يسمى بـ«دولة إسرائيل»، حتى قرعت الحرب أجراسها بحلول 30 نوفمبر 1947، بين فلسطين، والمملكة المصرية، والمملكة الأردنبية الهاشمية، مملكة العراق وسوريا، ولبنان والمملكة العربية السعودية من جانب والمليشيات الصهيونية المسلحة من البلماخ والإرجون والهاجانه والشتيرن، من جانب آخر، بدعم من إمدادات أوروبية أدعوا أنهم متطوعون يهود، حتى حلت النكبة عام 20 يوليو 1948 لتبدأ مرحل جديدة من الصراع الفلسطيني مع الاحتلال.
مشاركة :