علي جمعة يوضح المعني الصحيح للتوكل على الله

  • 12/24/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن عامة الفقهاء ذهبوا إلى أن التوكل على الله لا يتنافى مع السعي والأخذ بالأسباب من مطعم، ومشرب ، وتحرز من الأعداء وإعداد الأسلحة، واستعمال ما تقتضيه سُنة الله المعتادة، مع الاعتقاد أن الأسباب وحدها لا تجلب نفعًا، ولا تدفع ضرًا، بل السبب (العلاج) والمسبب (الشفاء) فعل الله تعالى، والكل منه وبمشيئته، وقال سهل من قال: التوكل يكون بترك العمل ، فقد طعن في سنة رسول الله ﷺ. وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: قال الرازي في تفسير قوله تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل . بل التوكل على الله : أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها ، بل يعول على الله تعالى. وأوضح: وقد حث النبي الكريم ﷺ في أكثر من موضع على العمل، وعدم ترك الأسباب، عن ابن عمر مرفوعا : { إن الله يحب العبد المؤمن المحترف -أي الذي له صناعة يكتسب منها -} [ابن مردويه]. وعن أنس قال { ذكر شاب عند النبي ﷺ بزهد وورع فقال النبي ﷺ إن كانت له حرفة } [ابن أبي الدنيا]. وعن الحسن قالوا : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال : كسب الحلال ،وأن تموت ولسانك رطب من ذكر الله } [ابن أبي الدنيا].وأشار إلى أن جمهور علماء المسلمين أجمعوا على أن التوكل الصحيح إنما يكون مع الأخذ بالأسباب وبدونه تكون دعوى التوكل جهلا بالشرع وفسادا في العقل، وأئمة الصوفية على أن الأخذ بالأسباب من التوكل فكان إبراهيم الخواص مجردا في التوكل مدققا فيه، وكان لا يفارقه إبرة وخيوط وركوة ومقراض-مقص-. فقيل : يا أبا إسحاق لم تحمل هذا وأنت تمنع من كل شيء. فقال : مثل هذا لا ينقص التوكل؛ لأن الله تعالى فرض علينا فرائض، والفقير لا يكون له إلا ثوب واحد فربما ينخرق ثوبه، فإذا لم يكن له إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته، وإذا لم يكن معه ركوة تفسد عليه طهارته، وإذا رأيت الفقير بلا إبرة ولا خيوط ولا ركوة فاتهمه في صلاته.وقال إن من المنهي عنه في الشرع، الاستغراق في الأسباب حتى يتعلق القلب بها، فلوجود التلازم بين السبب ونتائجه غالبا يظن العبد أن السبب مؤثرا في نفسه، أو ينسى ذكر الله ومشيئته في الأمر كله، وقد جاء في الحديث الصحيح، عن نبي الله سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام أنه قال : لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له الملك : قل : إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله. فطاف عليهن  جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . قال رسول الله ﷺ : والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون. [أخرجه البخاري] فالحاصل من هذا أن يتعلق المرء بمشيئة الله تعالى ، ويكل الأمر إليه ، ويتبرأ من مشيئته كما تقدم.وتابع : إذن المعنى الصحيح للتوكل أن لا يتنافى أبدا مع السعي على الأرزاق والأخذ بالأسباب، وأيضا الاستغراق في الأسباب والغفلة عن رب العالمين عواقبه وخيمة، ويكون من الاستدراج للعبد نسأل الله العافية لنا ولجميع المسلمين، وللتوكل آثار عظيمة في حب الله، وحب رسوله ﷺ، وحسن السلوك إلى الله والسير إليه، وزيادة الإيمان، وغفران الذنوب، والترقي في درجات الجنان،  دخل التوكل الصحيح قلب العبد المؤمن لا يؤذي الناس، ولا يحسد الناس، ولا يحقد على أحد، بل لن تراه إلا متعاونا معهم على الخير، راضيًا بكل ما يقضيه الله من الأمور.

مشاركة :