المركزي التركي يحاول السيطرة على التضخم برفع أسعار الفائدة

  • 12/25/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

فاجأ البنك المركزي التركي المحللين الخميس حين رفع أسعار الفائدة الرئيسية على الرغم من أن الخطوة لن يكون لها تأثير سريع على معدل التضخم الذي قد يرتفع في ما تبقى من العام الجاري، مما قد يفاقم الضغوط على الاقتصاد بشكل أكبر في ظل أزمة الوباء. أنقرة - رفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة بشكل كبير بلغ 200 نقطة أساس، وهو ما يزيد بعض الشيء عما كان متوقعا، وذلك في مسعى لكبح جماح تضخم تدور قيمه في خانة العشرات وإقبال غير مسبوق على الدولرة، وذلك في وقت يسعى فيه المحافظ الجديد ناسي إقبال لتعزيز الثقة في سياسة البنك. وعقب اجتماع لجنة السياسة النقدية أعلن المركزي الخميس سعر الفائدة الرئيسية إلى 17 في المئة، في خطوة رحب بها خبراء الاقتصاد واعتبروها مؤشرا على أن تركيا المتأزمة ماليا تتبنى سياسة نقدية تقليدية مجددا. ويعني القرار أن سعر الفائدة ارتفع بمقدار 6.75 نقطة مئوية في شهر واحد فقط في تناقض صارخ مع قرارات العديد من البلدان لخفض تكاليف الاقتراض للمساعدة في إنعاش الاقتصادات التي تضررت بشدة من فايروس كورونا. ويقول محللون إن توقعات البنك بوصول معدل التضخم في نهاية العام الحالي إلى 14 في المئة وهو أعلى معدل في أوروبا تبدو متفائلة كثيرا، خاصة في ظل الضبابية التي تخيم على مؤشرات النمو الاقتصادي وتعرض قيمة الليرة إلى المزيد من التدهور رغم محاولات إنقاذها. وتؤدي معدلات التضخم المرتفعة عادة إلى تآكل القوة الشرائية للسكان وهو ما يعني أنهم يملكون مالا قليلا مقارنة بحاجتهم إلى الإنفاق على شراء السلع أو الحصول على ضمانات لمشتريات مكلفة مثل السيارات والمساكن. وبات الاقتصاد التركي على وشك الانهيار مجددا وخيارات الرئيس رجب طيب أردوغان محدودة بعد أن تلقت تصريحاته والوعود الاستعراضية التي يواصل إطلاقها ضربة جديدة مع تعمق الأزمات بفعل وباء كورونا المستجد. وجاء تحرك المركزي بعد عامين من ثبات سعر الفائدة أو خفضه بسبب اعتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان غير التقليدي بأن المعدلات المرتفعة تسبب التضخم. وأدت تلك السياسة إلى خسارة الليرة التركية ما يقرب من ثلث قيمتها مقابل الدولار إذ استنزف البنك المركزي احتياطياته في محاولة لدعم العملة. وفي يونيو الماضي، أبقى المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، مما أثار دهشة المستثمرين الأجانب، لكن القرار لم يخلّف تأثيرا ملحوظا على الليرة، بعد تسع مرات من الخفض. وباتت أسعار الفائدة عند 8.25 في المئة بعد أن كانت 24 في المئة في يوليو 2019، في حملة من التسهيلات المالية التي جاءت إثر قرار الرئيس رجب طيب أردوغان بإقالة محافظ البنك السابق مراد تشتين قايا واستبداله بمراد أويصال. ومنذ مطلع العام الماضي، أربك المركزي، الذي يعمل على دعم جهود الحكومة لتحفيز النمو إثر أزمة العملة في 2018، توقعات المستثمرين مع تخفيضاته في أسعار الفائدة بمستويات لم تكن متوقعة. واستمرت عملياته خلال أزمة كورونا، مما قلل من جاذبية الاستثمار في السندات المحلية. ودفع الارتفاع الموازي في معدل التضخم السنوي إلى أكثر من 10 في المئة أردوغان إلى تغيير فريقه الاقتصادي وتعيين وزير المالية السابق الداعم للأسواق ناجي إقبال رئيسا للبنك المركزي الشهر الماضي. وتمكنت الليرة من استعادة نحو 10 في المئة من قيمتها مقابل الدولار بعد التغيير وسط توقعات السوق بأن السياسة النقدية التقليدية تعود في تركيا. وقبل اجتماع لجنة السياسة النقدية في المركزي، قال جيسون توفي المحلل في كابيتال إيكونوميكس في مذكرة بحثية “سيوفر اجتماع الخميس المزيد من الطمأنينة للمستثمرين بأن التحول إلى السياسة التقليدية باق”. وأضاف “نعتقد أن البنك المركزي ربما يكون فعل الآن ما يكفي ونتوقع أن يظل معدل إعادة الشراء لمدة أسبوع عند 17 في المئة على الأقل للأشهر الستة المقبلة أو نحو ذلك”. وارتفعت قيمة الليرة قرابة واحد في المئة وتم تداولها عند 7.57 ليرة مقابل الدولار بعد نحو ساعة من قرار المركزي. وصدر البيان بعد الاجتماع الشهري الثاني الخميس الذي ترأسه إقبال لدراسة سياسة البنك المركزي حيث ركز بشكل أساسي على محاربة التضخم. وأفاد البنك في بيان “قررنا تطبيق تشديد نقدي قوي من أجل القضاء على المخاطر بشأن توقعات التضخم واحتواء توقعات التضخم واستعادة عملية خفض التضخم في أسرع وقت ممكن”. وأضاف أنه “في الفترة المقبلة، سيستمر التشدد في موقف السياسة النقدية بشكل حاسم إلى أن تدل مؤشرات قوية على هبوط دائم في التضخم تماشيا مع الأهداف واستقرار الأسعار”. وهذا الشهر، حدد إقبال هدف تضخم سنوي بنسبة 9.4 في المئة بحلول نهاية عام 2021 والهدف النهائي للحكومة هو خفض التضخم إلى خمسة في المئة بحلول الوقت الذي سيواجه أردوغان إعادة انتخابه في عام 2023. ويكشف ارتفاع معدل التضخم الأساسي في تركيا إلى أعلى مستوى على الإطلاق عن حجم التحديات التي تواجه السلطات الاقتصادية في أنقرة في محاولاتها خفض الأسعار لتتمكن من خفض أسعار الفائدة المرتفعة التي تعرقل النمو الاقتصادي. كما تعهد ببناء احتياطيات البنك المركزي تدريجيا والتوقف عن التدخل في السوق لاستهداف أسعار الصرف الأجنبي. 17 في المئة معدل سعر الفائدة الرئيسي الجديد مرتفعا بمقدار 6.75 في المئة في شهر واحد وكانت تركيا، إحدى أكبر الأسواق الناشئة، قد حققت نموا فاق 7 في المئة في العام 2017 وكان المستثمرون الدوليون يعتبرونها ذات يوم نجما صاعدا، قبل أن تنكشف الأسس الهشة للسياسات الجامحة المفرطة في الاقتراض لتمويل مشاريع غير واقعية وتفتقر للجدوى الاقتصادية. وتزعزعت ثقة أسواق المال بالاقتصاد التركي بدرجة كبيرة العام الماضي نتيجة تدخلات الرئيس رجب طيب أردوغان في السياسة المالية، إضافة إلى سياساته الخارجية التي أفقدت تركيا معظم أسواق المنطقة وأربكت علاقاتها مع الدول الغربية. وبلغت الأزمة ذروتها في مايو 2018 بسبب تصريحات أردوغان وإصراره على التدخل في سياسات المركزي، ما أدّى إلى انحدار الليرة وفقدانها لنحو نصف قيمتها قبل أن تقلص خسائرها إلى 30 في المئة بعد رضوخها لضرورة رفع أسعار الفائدة إلى مستويات فلكية عند 24 في المئة. وتفاقمت الأزمات بسبب خلافات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، أدّت إلى فرض عقوبات تجارية، كان آخرها إلغاء مزايا تفضيلية ممنوحة لتركيا. وخلال حقبة التحفيز النقدي القياسي في الاقتصادات العالمية الكبرى تعزز أداء الاقتصاد التركي في ظل تدفق رؤوس الأموال الساخنة، لكن تلك الأموال الساخنة راكمت جبالا من الديون على الشركات التركية. وحين بدأت مرحلة تشديد السياسات النقدية العالمية انكشفت الأسس الهشة للاقتصاد التركي، حيث يرجح المحللون صعوبة خروجه من تداعيات السياسات المندفعة البعيدة عن الحسابات الاقتصادية السليمة.

مشاركة :