“مشكلة المؤثرين في الشبكات الاجتماعية هي أنهم يريدون أن يكون متابعوهم دائماً مدينين لهم،” على ما وصفها برتراند راسل. فماذا لو ظهرت في تلك المواقع شخصيات لا ريب في تأثيرها الكبير في حضارة البشر؟ كيف كانت لترى تلك السهولة في الاستعمال والسرعة في الوصول، وذلك الوسع في الانتشار؟ وكيف تتعامل معها؟ كانط، على سبيل المثال، عزّز أولاً وصف راسل من خلال انتقاد الشروط والاحكام التي تطرحها تلك المواقع على مستخدميها لكي يريح زملاؤه الفلاسفة والمفكرين والأدباء والقادة، القدامى منهم والمعاصرين، من عناء التعامل معها. ويضيف المهاتما غاندي شرطاً يصبّ في مصلحة هؤلاء: “لكي تكون الصفحة مؤثرة يجب عليها أن تصمد أمام أقصى أنواع البلاغات من دون أن تتوقف.” ويثني فكتور هوغو على شرط غاندي بتشجيع زملائه على الاحتكام إلى الهدوء مهما واجهوا من مشاكل، قائلًا لكل منهم: “هل بلّغوا عنك! هل قرصنوا حسابك؟ رائع. الشهرة لابد أن تجذب الأعداء، مثلما يجذب الضوء البعوض. لذا، حافظ على هدوئك وابقِ صفحتك متماسكة. وهكذا، بات في إمكان جهابذة العصور المضي قدماً في خوض تجربة التكنولوجيا الحديثة التي لم يتعرضوا لمثلها ولا في الأحلام. فراح فولتير يستخدم “تويتر” لكي يحسن تلخيص أفكاره، ونيتشه يفتح حسابات عدّة في فيسبوك لحاجته الماسّة إلى الاستطراد. واحتكر هيجل موقع تواصل كاملاً بسط فيه ايقونات لا أحد يفهمها سواه. وحاول ألبير كامو كشف معالم وجه غريبه، بتغيير صورة البروفايل مرة أو أكثر في اليوم. وبعدما تخطى ديكارت العقبات التقنية، راح يشكك في صحة المنشورات ويطالب أصحابها بالمصادر. أما كارل ماركس فدعا إلى توزيع اللايكات بالتساوي ونظّر لدعوته هذه صديقة أنجلز. ولم يجد ثالثهما لينين المنشغل على دوام الساعة غير إعادة نشر أفكار ماركس ممهورة بجملة “الموضوع ليس للنقاش”. كل يوم، ينشر سبينوزا صوراً للطبيعة والغيوم. وكافكا يعلّق حسابه ويعيد تشغيله مرات في اليوم، بحسب حالته الفيزيولوجية. أما كونفيشيوس فاستطاع، بعد طول تخطيط، أن ينتج منشوراً وحيداً فقط لا غير “نحن لا نعرف شيئاً عن فيسبوك فكيف لنا أن نعرف عن تويتر؟” لكنه راح يشارك في الإعجابات والتعليقات على منشورات روّاد السوشال ميديا، ما وفّر له عدداً كبيراً من الفرند والمتابعين. وهو الأمر الذي فضح شيئاُ من الغيرة لدى انشتاين عندما قال: “ليس الأمر لأني معروف كل ما هنالك أني أجاهد في المشاركات لفترة أطول. ثم بدأت تظهر نتائج انخراط المثقّفين من العيار الثقيل في متاهات التواصل، فنال سارتر جائزة المغرد الأكثر انتشاراً لكنّه رفضها ورفض تسلّمها؛ لعادة لديه في التعامل مع الجوائز. ولشدّة إعجاب جورج أليوت بزر “أعجبني” قرر أن يجعله المصدر الوحيد لاجتذاب الأصدقاء. وخالفه في ذلك الدَلايْ لاما عندما همس لأتباعه: “تذكروا أن في بعض الأحيان، عدم الحصول على متابعين واهتمام، هو ضربة حظ رائعة تجعل حياتنا أفضل.” ثم أخذ كل من كهول مواقع التواصل يعبّر عن نظرته إليها محاولاً وصفها بأسلوبه الخاص. فحكم يوليوس قيصر عليها بقوله “الصفحات التي تنتشر سريعاً لا تنمو بإتقان”. ووصف شكسبير الشبكات بأنها نور يستضيء به الإنسان. وبعين تكعيبية، يراها بيكاسو خليطاً من الاشكال والالوان. وذهب فان غوخ إلى وصف الانترنت بأنه خليط الحدس والإلهام وسلسلة أشياء صغيرة تجمعها معاً. ووجدها غوته المكان المتبقّي الوحيد الذي نفرغ فيه مثالياتنا. ومثل بيكاسو، يرى بلزاك الشبكات الاجتماعية خليطاً أيضاً ولكن من شياطين وملائكة، وأرسطو المصدرَ الأكبرَ للمعرفة. أما أبقراط فيقول إنها المرض. غير أن توما الأكويني يعتبر الانترنت بمجمله كائناً ناقص التكوين. ويوصي مارك توين زملاء القلم والمتابعين عموماً بالمشاركة “كما لو أنك تريد ان تكون مؤثراً” وبالكتابة “كما لو كنتَ تريد أن تكون أديباً… ثم خالف كما لو لم يكن أحد يراقبك.” ومثله راح تشيخوف ينصح المتابعين بأسلوب روحاني: “عَليك أن تفهم أن الشبكات الاجتماعية من دون قضية كأنك تصلي وأنت غير مؤمن.” وفي المقابل، نصحهم بودلير: “لا تحتقروا حساسية أي صفحة فإن الحساسية هي العبقرية”؛ في حين يعتبر سيوران أن الشبكات تلعب دور مُعكرِ الصفو بالنسبة إلى كل أفعال الحياة.” وكأن ابن سينا سبق زملاءه إلى مجاهل الإنترنت ليعثر على مسكنات الأوجاع “في الويكيبيديا والساوند كلاود”. ثم أصبحت أوصاف الشبكات أكثر عمقاً وتغلغلاً في النفس البشرية. واستهلها فرويد، بعد تمحيص وتحليل، بالقول: “الصفحة الوحيدة التي يجب أن تقارن نفسك فيها، هي صفحتك أنت في الماضي.” واعتبرها كويلو مرآة للروح تعكس كل شي مخفي فيها. ثم تعمّق شمس الدين التبريزي أكثر في انتشال الشبكات من التشييء حين رأى أن “الصفحات ليست حكراً على الشبكات، فقد تكون فكرة وقد يكون لحظة زمنية وقد يكون شخصاً.” وجزم جلال الدين الرومي أن “ما تبحث عنه في الانترنت يبحث عنك.” ولم يعثر دوستويفسكي على مشاعر الحُب الحقيقية “إلا في إعادة التغريد. فما من إنسان يستحق أن تتابعه، تلك قاعدة رائعة! هذه القاعدة هي بعينها ما أحتاج إليه.” ذات مرة، سُمع جيجك يقول: “أعتقد أنّ الملل من الشبكات هو فعل أصيل، يفسح المجال إمام انشغالاتٍ جديدة. ففي غياب الملل، سيغيب الإبداع.” ووازن عبد الرحمن منيف نظرة جيجك عندما كشف أنه “لولا الشبكات الاجتماعية لمات الإنسان من تُخمةِ الهموم والعذاب والأفكار التي تجري في رأسه.” وذات يوم، صادف فولتير ونيتشه وكامو زميلهم شوبنهاور في أحد أزقة مدينة دانتزيغ الألمانية، مسقط رأسه، فسألوه عن سبب إحجامه عن الانخراط بأي نشاط في الإنترنت. فقال لهم ساخراً إنه “ضد التواصل الاجتماعي عبر مواقع لأنها عبثية ولا هدف منها.” جوابه هذا أرجع كل من هؤلاء المؤثّرين إلى زمانه.
مشاركة :