عن «فن السيرة الذاتية بين الخصوصية وتاريخ وطن» تحدث الكاتب الصحفي والأديب المصري محمد سلماوي في «مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والفنون»، مساء الاثنين (14 ديسمبر)، ضمن الموسم الثقافي الموسوم بـ«ولا نتوب عن أحلامنا»، متطرقًا خلال محاضرته إلى فن كتابة السيرة الذاتية، والمذكرات، إلى جانب استعراض موجز لسيرته «يومًا أو بعض يوم»، التي يوثق فيها حياته وأبرز الأحداث التي شهدتها مصر والعالم العربي، منذُ منتصف خمسينات القرن الماضي، بالإضافة للحديث عن مجموعة من القضايا، وعلى رأسها الثقافة، إذ يرى أن الوطن العربي مقبلٌ على نهضة ثقافية، يمكن لها أن تؤدي لنهضة وطنية، تزيج كل مظاهر التخلف والتراجع.في مستهل حديثه عن فن كتابة السيرة الذاتية، أكد سلماوي أن بالسنوات الأخيرة، التي غلبت فيها الاعتبارات السياسية على حياة الإنسان العربي، «انزلقت الكثير من السير الذاتية، والمذكرات إلى مسألة تجميل الذات، والدفاع عن موقف محدد، أو تبرئة التاريخ المكتوب عنه»، ولهذا «أضحت هذه السير جزءًا من الحياة السياسية، ولم تعد مجردة عنها كما يجب أن تكون»، وما يذهب إليه سلماوي في قراءته لحال كتابة السيرة الذاتية لا يعممه، إذ يؤكد أن هناك استثناءات كـ«كتابيه»، وهي مذكرات الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمر موسى، ومذكرات سعد زغلول، و«أوراق العمر.. سنوات التكوين» للويس عوض، وغيرهم ممن شكلت سيرهم ومذكراتهم جزءًا من التاريخ.التفاعل.. جوهر السيرة الذاتيةيلفت سلماوي إلى ضرورة التفريق بين السيرة الذاتية، وكتب التاريخ، مبينًا أن التاريخ «ليس فقط ما يكتبه المؤرخون، إذ أنهم يكتبون الوقائع التي حدثت، فيما يرصد كاتب السيرة، كل المشاعر، والأحاسيس، ويكتب عن مشاعر الناس تجاه هذه الوقائع أو تلك، وتأثيرها على حياتهم، وتأثير الناس أنفسهم في مجريات الأحداث، وتحولاتها»، مبينًا أن هذا التفاعل بين الإنسان والوقائع التاريخية «هو مضمون السيرة الذاتية.. أو هكذا ينبغي أن يكون».معايير السيرة الذاتيةتطرق سلماوي إلى كتابه «يومًا أو بضع يوم»، وهو الجزء الأول من سيرته الذاتية التي ترصد مختلف التحولات الشخصية، وما زامنها من تحولات تاريخية على الصعيد الوطني، مبينًا أن «الكتاب لا يسرد أحداثًا جديدة، فهي ذاتها الأحداث التي يعرفها المجتمع المصري والعربي، بيد أنها كتبت بمنظار جديد، حيث التفاعل مع الأحداث مختلف عما تكتبه كتب التاريخ».ويتخذ سلماوي من «يومًا أو بضع يوم» مثالًا لإيضاح المعايير التي يتوجب على أساسها كتابة السير الذاتية، مبينًا أن أول المعايير الواجب التزامها، هو الصدق، «هذا ما التزمت به في كتابة مذكراتي، متوقفًا عند العثرات التي صادفتها في حياتي، إلى جانب المواقف، والأفكار التي تبنيتها، والأمور الشخصية التي عايشتها، سيئها وجيدها». أما المعيار الثاني فهو التوثيق، «إذ لابد من التدليل على الوقائع التي تسردها السيرة الذاتية، وهذا ما عمدت لفعله في مذكراتي، عبر اللجوء للوثائق، والصور، وقصاصات الصحف، وغيرها». فيما يتعلق المعاير الثالث بالتواضع، إذ يؤكد سلماوي بأن الكثير من كتاب السيرة الذاتية يسقطون في فخ تفخيم الذات، وهذا بطبيعة الحال يضر بالمعيار الأول، كما ينافي الواقع الذي يؤكد أن تأثير الأشخاص في مسيرة التاريخ لا يعدو شيئًا يذكر. كما يشدد سلماوي على ضرورة البناء الفني، إذ كما يقول «إن أي كتاب يكتب لا بد أن يقوم على بناء هندسي محكم، يشكل فارقًا عن تسلسل الأحداث كما وقعت، إذ لا بد للكتابة أن تلتزم بتصاعد الأحداث، والتشويق، وغيرها من العناصر الإبداعية».عن النهضة الثقافيةوعرج سلماوي كذلك على عدد من الأحداث البارزة التي تسلط مذكراته الضوء عليها، مبينًا أن الثقافة في مصر، بعد ستينات القرن الماضي، لم تكن في أفضل حالتها، «نظرًا لانصراف الدولة عن رعايتها»، مؤكدًا أن الثقافة «لا تنتعش إلا برعاية، فهي لا تخرج كالنبات الشيطاني، بل هي كالزراعة، تحتاج لعناية شديدة»، مضيفًا «أن الدولة في مصر تراجعة عن دعم الثقافة آنذاك، دون إحلال القطاع الرأسمالي البديل»، وهذا ما تسبب في ركود ثقافي، بيد أنه لفت إلى نشاط ثقافي يشهده الوطن العربي في الأونة الأخيرة، موضحًا أن «الوطن العربي مقبلٌ على مرحلة من النهوض الثقافي الذي سينتج عنه نهضة وطنية، تزيح كل مظاهر التخلف، والتراجع السياسي، والوطني الذي نراه من حولنا اليوم»، مع تأكيده ضرورة أن تكون هذه النهضة الثقافية مدعومةً من القطاع الرأسمالي غير الرسمي، احتذاءً بالدول المتقدمة.
مشاركة :