شمّرت ربات البيوت في محافظة وادي الدواسر عن سواعدهن لإعداد وجبة "الشعثاء"، مع دخول موسم صرم، والشعثاء إحدى الأكلات التي اعتاد أهالي الوادي منذ عقود مضت على إعدادها من التمور وتناولها مع القهوة خاصة في رمضان والعيدين. كما أنها أكلة شعبية واسعة الانتشار بين سكان المناطق الريفية في أرجاء وسط المملكة، تتكون من "الإقط" و"التمر" المضاف إليها في معظم الأحيان السمن البري، وتعد على أنها زادا للمسافر بوصفها وجبة غذائية متكاملة تغني عن تناول التمر. وكانت النسوة في وادي الدواسر يقمن بإعدادها في الماضي بطرق بدائية تعتمد على "الهرس" و"طحن الإقط" بواسطة الهاون المعروف شعبيا باسم "النجر" أو من خلال طحنها على "الرحى"، ويتم تحويل التمر بعد نزع النوى "الفصم" إلى عجوة بواسطة الدوّاسة في آنية مصنوعة من سعف النخيل تسمى "المصولة". تقول أم محمد وهي إحدى المسنات اللاتي عملن منذ زمن بعيد على إعداد "الشعثاء" في وداي الدواسر وعاصرن صناعتها اليدوية: أقوم بتحضير الشعثاء من خلال صناعة الإقط في منزلي المستخرج من حليب الماعز والضأن التي أربيها في منزلي، وخلال موسم الربيع أشتري من أهل البلدية ما يفي حاجتي لإعداد هذه الوجبة الشعبية التي لا تزال تجد رواجًا كبيرًا بين أهالي وداي الدواسر وزوارهم، مبينة أنها تبيع كمية 2.5 كيلو من الشعثاء بمبلغ 50 ريالا، وتتفاوت الأسعار بحسب طبيعة مكوناتها. ومع أن "الشعثاء" ما زالت تحافظ على ريادتها لكن الزمان غير طرق ووسائل صنعها، إذ تدخلت الأدوات الحديثة في صناعتها من عمل يدوي متقن إلى عمل آلي يعتمد على طحن الإقط بالطواحين الكهربائية، وتحويل التمر إلى عجوة بواسطة مكائن فرم اللحم، ومن ثم تعبئتها في أكياس وعبوات بأحجام مختلفة ليتم بيعها أو حفظها في ثلاجات مبردة عوضًا عن "القربة" التي كانت تسخدم في الماضي حتى لا يتحول لونها إلى اللون الغامق أو تصبح غير صالحة للاستهلاك خاصة بعد إضافة "الإقط" و"السمن" إليها نظير احتوائهما نسبة عالية من الدهون والبروتين، ويقدر سعر الكيلو من هذه الوجبة بنحو 20 ريالاً، ويرتفع السعر في شهر رمضان المبارك، ومناسبتي العيدين. وأخذت بعض العائلات المشهورة في وادي الدواسر بإعداد وجبة الشعثاء من خلال مزجها بصناعات غذائية أخرى كأن يستبدل الإقط باللوز أو الفستق، يضاف إليه زيت الزيتون، إلا أن طعم الإقط لا يزال محل رغبة الجميع خاصة من كبار السن وأبناء البادية. ويعد تمر الخلاص، والصقعي، والهشيش من أفضل أنواع التمور التي تعد بها "الشعثاء"، حيث طيب الطعم وجمال اللون، فيما الأنواع الأخرى تتحول العجوة فيها إلى اللون الداكن ويظهر فيها ما يعرف بـ"الشخام". ويؤكد المواطن ناصر بن محمد الدوسري، الذي كان يبتاع شيئا من "الشعثاء" من إحدى أسواق وادي الدواسر أنه ما زال يحرص على ألا يقدم قهوته لضيوفه إلا بوجود "الشعثاء"، وقال إن جدته كانت تصنعها في الماضي وتخزنها في "القِربة" المصنوعة من جلد الأنعام لحفظها من التلوث في ذلك الزمان، وكان طعمها أجمل من طعم شعثاء اليوم المصنوعة بأدوات حديثة، معللاً ذلك بأن إقط ذلك الوقت كان يأتي من أغنام تربت في البراري، بينما إقط اليوم أصبح يعد من الحليب الصناعي الذي يباع في الأسواق، بالإضافة إلى أن جلد القربة يضيف شيئا من النكهة للشعثاء. ويعتبر أخصائي التغذية عبدالرحمن ناصر آل حسينة أن "الشعثاء" متى ما أعدت بطريقة صحية فهي مفيدة، حيث تحتوي على عنصري "التمر" و"الحليب" متمثلاً في الإقط لأن الجسم بحاجة دائمة إليهما بوصفهما مصدرين غنيين بالفيتامينات والعناصر الغذائية، خاصة الكالسيوم المهم لصحة الأسنان والعظام، بينما التمر إذا أضيف إليه الحليب، فإنه يعد من أفضل أنواع الأغذية المفيدة لصحة الإنسان، خاصة لمن كان جهازه الهضمي ضعيفاً.
مشاركة :