مخاطر أمن الطاقة: من يحمي ناقلات النفط؟

  • 12/28/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في الرابع عشر من ديسمبر الحالي أعلنت شركة «حافينا» -ومقرها سنغافورة- وقوع انفجار على متن ناقلة نفط تابعة لها قبالة ميناء جدة غرب المملكة العربية السعودية، ولم يسفر الانفجار عن خسائر في الأرواح أو في النفط الذي كانت تحمله الناقلة، ووفقاً للمصادر الأمنية السعودية فإن الناقلة قد تعرضت «لهجوم إرهابي بقارب مفخخ»، وواقع الأمر أن تلك الحادثة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة حيث كان هناك اعتداء على أربع ناقلات نفط قبالة ميناء الفجيرة في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مايو 2019، بالإضافة إلى الاعتداء على ناقلتي نفط في يونيو من العام ذاته في خليج عمان والحوادث كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، وتثير تلك الحوادث المتكررة تساؤلات عديدة حول مسؤولية حماية ناقلات النفط.بداية تكمن المعضلة الكبرى في أنه بالرغم من أن قطاع النفط يمثل عصب اقتصاد العديد من دول العالم فإنه الأكثر عرضة للتهديدات الأمنية سواء بالنسبة للممرات البحرية الضيقة التي تسلكها ناقلات النفط ومن ثم تكون عرضة للاعتداءات أو بطء حركتها بالنظر إلى القوارب السريعة المفخخة التي تمتلكها الجماعات الإرهابية والدول الداعمة لها. صحيح أن الاعتداءات ليست هي الخطر الأول من نوعه، فقد عانى العالم من تحدي القرصنة لسنوات -ولا يزال- ولكن في ظل تزايد وتيرة تلك التهديدات يتعين أن تكون هناك خطط دولية لحماية تلك الناقلات وخاصة في ظل إدراك الجماعات الإرهابية رخص تكلفة القيام بمثل تلك الهجمات وعظم خسائرها التي لن تقتصر على زيادة كلفة تأمين الشحن البحري فحسب، وإنما ستتأثر أسعار النفط، فضلاً عن الآثار البيئية الكارثية المتوقعة، ففي الحادث المشار إليه حديثاً أشار مسؤولو الشركة إلى أنه من غير المستبعد حدوث تسرب نفطي من السفينة في وقت لاحق، ولم يقتصر التهديد على الاعتداءات بل وصل إلى احتجاز إيران بعض السفن أحياناً ومضايقة سفن أخرى خلال عبورها مضيق هرمز أحايين أخرى.تلك الحوادث وغيرها تثير مجدداً قضية أمن الطاقة، تلك القضية التي حظيت باهتمام دولي ملحوظ من خلال ثلاثة مؤشرات، الأول: أنه لم تخل أي من استراتيجيات الأمن القومي للدول الكبرى والمنظمات الدفاعية -مثل حلف الناتو- من الحديث عن تقييم مخاطر أمن الطاقة وتحديد آليات مواجهتها، وتلك الاستراتيجيات يجري مراجعتها بشكل دائم، والثاني: أن أمن الطاقة يعتبر خطا أحمر بالنسبة للدول الكبرى.. يؤكد ذلك ما عرف «بتحالف الراغبين» الذي تكوّن من عدد من الدول الغربية لحماية ناقلات النفط الخليجية من الاعتداءات الإيرانية إبان الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات، والثالث: أنه في أعقاب الاعتداء على ناقلات النفط قبالة ميناء الفجيرة وكذلك في خليج عمان، دعت الولايات المتحدة إلى تأسيس التحالف العسكري البحري لأمن وحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي والذي انضمت إليه 6 دول بجانب الولايات المتحدة وبدأ عمله بالفعل في نوفمبر 2019، فضلاً عن البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة في الخليج بقيادة فرنسا، والتي بدأت عملها مطلع العام الحالي وتتكامل مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للغرض ذاته.يتوازى مع تلك الجهود اهتمام واضح من جانب دول الخليج العربي بتعزيز القدرات البحرية سواء من خلال المناورات البحرية أو شراء زوارق سريعة تتناسب مع طبيعة المخاطر البحرية، فضلاً عن خبرات دول الخليج في العمل في أعالي البحار مع الشركاء الدوليين.  ومع أهمية ما سبق فإنه في ظل ظهور ذلك النوع الجديد من المخاطر، وهو الذي يندرج ضمن ما يعرف بـ«الحروب اللامتماثلة»؛ لأن الدول في مواجهة جماعات إرهابية تعمل من خلال مجموعات صغيرة وتحدث أضراراً بالغة، فإن ذلك يثير التساؤل الاستراتيجي الأكبر: هل تكمن الحاجة في آليات قانونية دولية؟ أم إمكانات بحرية؟ أم ممارسات لتحقيق الردع؟جميعها تساؤلات مهمة.. فاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 قد حددت بوضوح كافة الممارسات البحرية للدول، ولكن الإشكالية تكمن في عدم وجود قوة دولية تجبر الدول على احترام مضامين وأحكام تلك الاتفاقية، ويقدم الصراع المحتدم في شرق المتوسط نموذجاً واضحا على ذلك، أما الإمكانات البحرية فتعكسها كافة المؤشرات المتنامية خلال السنوات الأخيرة والتي أضحت البحار جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الدول سواء الكبرى أو الصغرى، ليس فقط لكونها وسيلة نقل رخيصة بل باعتبارها مصدراً للثروات، ولكن الملاحظ هو أن العمل على تأمين البحار يتم من خلال خطط واستراتيجيات منفصلة ولا توجد آلية دولية تتمتع بمظلة دولية بإمكانها التدخل السريع في حال حدوث اعتداءات على ناقلات النفط، وعلى صعيد ممارسات تحقيق الردع قال نائب الأميرال صمويل بابارو كبير مسؤولي البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط والذي يشرف على الأسطول الخامس أمام حوار المنامة السادس عشر 2020: «لقد حققنا ردعاً حذراً وهو يزداد صعوبة بفعل الأحداث العالمية والأحداث على طول الطريق»، وأضاف: «وجدت أن النشاط الإيراني في البحر يتسم بالحذر والحرص والاحترام، حتى لا يخاطر بحسابات خاطئة غير ضرورية أو تصعيد في البحر»، بالإضافة إلى الإعلان في 21 ديسمبر عن عبور غواصة نووية مضيق هرمز للمرة الأولى في طريقها إلى منطقة الخليج العربي محملة بـ150 صاروخا من طراز توما هوك.ومع أهمية ما سبق فإن التساؤل هو عن العمليات التخريبية التي كانت -ولا تزال- تستهدف ناقلات النفط في منطقة الخليج العربي وتنذر بعواقب وخيمة؟ويعني ما سبق أنه في الوقت الذي تزداد فيه مخاطر أمن الطاقة لا توجد استراتيجيات متكاملة لمواجهتها إلا بحسب الحالة ووفقاً لتحالف الراغبين، وفي تصوري أن المجتمع الدولي بحاجة إلى وقفة حازمة إزاء تلك التهديدات سواء من حيث إعادة التأكيد على مبادئ القانون الدولي والحزم في تطبيقها واتخاذ مجلس الأمن قرارات يفرض بموجبها عقوبات على من ينتهك تلك القوانين لكونها تضر بالأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء، ومن ناحية ثانية فإنه يتعين التنسيق بين الدول الكبرى والدول الإقليمية لتنفيذ المقترح الأمريكي بشأن تأسيس قوات متعددة الجنسيات للتدخل السريع التي لن يكون من مهامها تحقيق الردع فحسب بل احتواء أي أضرار أخرى قد تسببها حوادث ناقلات النفط وخاصة البيئية منها والتي ستكون كارثة كبرى، ومن ناحية ثالثة ضرورة إيلاء كافة الدول الأمن البحري أهمية بالغة ليس فقط على صعيد التسليح والتدريب ولكن صياغة استراتيجيات متكاملة إما ضمن استراتيجيات الأمن الوطني وإما بشكل منفصل يتم خلالها تحديد المخاطر الراهنة والمحتملة وكيفية مواجهتها، بل والأهم الموارد المتاحة واللازمة لذلك في ظل حقيقة مؤداها أن الصراع على البحار قد أصبح هدفاً سواء للدول أو الجماعات دون الدول على حد سواء. ‭{‬  مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»

مشاركة :