في حوار أجراه الطالب الجامعي أحمد غلاب مع الكاتب والمخرج د.علي الصايغ عن واقع الدراما البحرينية وما تعانيه من شح إنتاجي .س: لماذا توقف الإنتاج الدرامي في البحرين برأيك؟لتناول هذا الموضوع العميق والإجابة عن هذا السؤال لابد أن نعرف هل نحن بصدد الحديث عن الدراما البحرينية أم الدراما الخليجية، فمن ناحية الدراما البحرينية فإن من أسباب توقفها المال «القدرة الإنتاجية» ولا أعني توفر ميزانية مالية للإنتاج أو عدمها ، بل ما أرمي إليه هو أن تلك الميزانية المخصصة و المبذولة في سبيل إنتاج العمل هل سيكون لها عائد ربحي أو نفع للمستثمر ولو بنسبة 1% أم لا ؟ هنا تكمن المعضلة.س: عودا إلى بدء ؛ ما هو الفرق بين الدراما البحرينية و الدراما الخليجية ؟ وماهي أهمية هوية العمل الدرامي برأيك؟هناك شائع وواقع بهذا الخصوص، فالشائع عالميا وخاصة في السينما أن هوية العمل مرتبطة بجنسية المخرج، أما المتعارف عليه في الوسط الدرامي التلفزيوني فهو أن هوية العمل تأخذ جنسية طاقم التمثيل ، بمعنى أن العمل الدرامي يكون بحرينيا إذا كان طاقم التمثيل بحرينيا، ويكون خليجيا إذا كان طاقم التمثيل مكون من مجموعة ممثلين خليجيين وهكذا.أما بالنسبة للشطر الآخر من السؤال الذي تفضلت به فإن الظروف الآن أصبحت تحتم بأن يكون طاقم التمثيل مشتركا وجامعا لعدة جنسيات وذلك لأسباب تسويقية في المقام الأول ، ولذلك من الصعب علينا أن نفصل بين الدراما البحرينية والدراما الخليجية لأننا حتما سنواجه تحديات تسويقية لاحقا.س : هل تعني بذلك أنه لا سبيل لإعادة صنع أعمال بحرينية بحتة كما كنا سابقا؟إذا كان ولا بد أن نصنع عملا دراميا بحرينيا بحتا، فأنسب طريق لفعل ذلك سيكون عن طريق تلفزيون البحرين، وذلك لأنه يمتلك إمكانية عرضه على شاشته، أما المنتج المستثمر فيحتاج إلى عناصر مسوقة، ومن هنا يأتي جدوى التنويع. س: هذا يقودنا إلى السؤال التالي، كيف نستطيع تشجيع الاستثمار في الإنتاج الدرامي؟بالرجوع إلى الحقبة الذهبية للدراما البحرينية، أولاً لا بد من التأكيد على أن الإنتاج البحريني للدراما كان يعد رقما صعبا على صعيد الدراما في دول الخليج حيث كانت تسوده حالة الترقب والتساؤلات من قبل جهات الإنتاج الخليجية عما ستطرحه الدراما البحرينية في كل موسم، وقد كانت زمام الأمور حينها تحت إدارة تلفزيون البحرين.أما الآن فقد تغيرت الظروف وبتنا بحاجة ضرورية وملحة لتأسيس وتدشين قنوات خاصة لخلق بيئة تحفز المستثمرين في الإنتاج الفني أسوة بباقي الدول الخليجية الشقيقة، وذلك تفاديا للمعضلات التسويقية التي تواجه المنتجين البحرينيين حالياً. س: بناء على ما تفضلت به، ماذا ينقص صناعة الدراما البحرينية؟ج- بجانب ما تطرقت إليه سلفا هناك نقطة جوهرية متصلة بما ينقص صناعة الدراما البحرينية، وهي أننا للأسف في الدراما البحرينية ليس لدينا مشروع صناعة نجم «صناعة النجوم» وهذه مشكلة حقيقية يجب الالتفات إليها بعناية، وأقولها صراحة الكويت هي مصنع نجوم الدراما في الخليج، وأحد أسباب ذلك هو الآلة الإعلامية الجبارة النشطة الموجودة هناك، وأعني بذلك الصحافة الفنية ووسائلها المتعددة.عزيزي، أضحى النجوم ركيزة هامة جدا في العمل الدرامي، ومتطلب أساس لنجاحه، وذلك بسبب الجمهور الذي يرفع من نسب المشاهدة، وبالتالي استقطاب الإعلانات ورفع معدلات البيع.س: حسنا، ماهي الأسباب التي أدت إلى ندرة صناعة النجوم في وسط الدراما البحرينية؟ج- أسباب كثيرة، لعل من أبرزها ندرة الصحافة الفنية والصحفيين المتخصصين والبرامج الفنية المعنية بدعم الفنانين وإبراز مواهبهم، وعدم توافر خطة فنية وطنية للترويج الصحيح للمواهب وصناعة النجوم. س: حققت البحرين أسرع نمو اقتصادي لسوق مالي في عام 2008 بعد تدشين مرفأ البحرين المالي وعرف عن البحرين حينها أنها بيئة خصبة للاستثمار المالي؛ برأيك هل ينطبق ذلك أيضا على الاستثمار الدرامي إذا تكررت نفس التجربة بذات السياق؟ج- من الممكن جدا أن تحقق البحرين ذلك وهذا ما أتمناه؛ فالبحرين غنية بمقومات وعناصر إنتاج العمل الدرامي من كتاب وممثلين ومخرجين وغيرهم، ولكن ينبغي أن نرى المشهد من زاوية أخرى لأننا نتحدث عن واقع مختلف للدراما البحرينية والتي تعتبر غائبة بل شبه منقطعة عن الساحة الفنية هذه الأيام، وإن وجدت فإنها غالبا ما تكون من إنتاج غير بحريني، ذلك وبلا أدنى شك أفضل من لا شيء، أقلة حتى تستمر عجلة العمل.س: أين تكمن أهمية الدراما من وجهة نظرك؟ج- الدراما ليست وسيلة ترفيهية بل أداة خطيرة للتأثير في المجتمعات؛ يمكننا عبر الدراما اليوم نشر رسائل لنشيد بها أفكارا ونثبت عبرها معتقدات وقيم في المجتمع من خلال الأعمال الفنية، وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ويكون ذلك سلاحنا في سبيل مقاومة الهجوم الفكري الشرس الذي تشنه منصات الإنتاج الإلكتروني، والتي تعمل باستراتيجية الغزو الفكري للعقول منذ انتشارها في أوساط مجتمعاتنا العربية.س: هل هناك سبيل لإيجاد صيغة جديدة للدراما الخليجية بدلا عن حلتها الكلاسيكية المعتادة حيث تتحول إلى محتوى فعال ومثمر وبناء في المجتمع؟ج- هذا منحنى آخر مختلف عما بدأناه بيد أنه يترجم أهمية بالغة.. ماذا نقدم؟ هل نقدم محتوى مكررا وهذا الموضوع مرتبط ارتباطا وثيقا مع رسالتي للماجستير في مسألة رأي الجمهور البحريني عن التكرار واللاواقعية في الدراما الخليجية.هناك قاعدة يجب الاتفاق عليها، طالما أننا نتعامل مع الدراما على أن أي شخص بإمكانه أن يصنع مسلسلا بدون أن يكون لديه معرفة وثقافة غزيرة فسيظل الحال كما هو عليه؛ يستلزم علينا الإقرار بوجوب تثقيف جميع عناصر العمل الدرامي من مخرجين وممثلين وغيرهم، وللأسف فإن الكثير من الأعمال هي عمليات استنساخ لأعمال عالمية بشكل أو بآخر، وإعادات فاشلة لمحاولات صنع النجاح مرات أخرى بنسخ عربية.هناك افتقاد لجرأة الإبداع لسبب أو لآخر حيث الأساس الذي ينبغي أن يكون مصدر وحي الفكرة الأولى للكاتب، كما أن الكاتب أيضا عليه أن يكون ذو ثقافة عالية وبصيرة فنية واطلاع وإدراك ووعي لما يكتبه. للأسف الجري وراء الشهرة أثر بشكل سلبي على الدراما، حيث بات هاجس وهوس يشتت الجهود المبذولة لرفع جودة المحتوى المقدم للمشاهدين.س: إذا ماهي أنسب طريقة لإعادة إحياء الدراما البحرينية والارتقاء بها في نقلة نوعية؟س: لإعادة إحياء الدراما البحرينية ونقلها نقلة نوعية؛ يتعين على الجيل الحالي أن يتسلح علميا وعمليا وخبراتيا، وهذا يسوقنا إلى التساؤل الآتي: أين التخصصات الفنية من خطة التعليم العالي البحريني؟ أين أقسام التمثيل والسينما ومعاهد المسرح؟ نحن نفتقر إلى المؤسسات الأكاديمية العلمية المختصة التي تعتبر ركيزة لتأسيس عناصر العمل الفني الدرامي.ومن زاوية أخرى يتوجب علينا إسقاط الضوء على محور آخر لا يقل أهمية عما ذكرته سلفا وهو مشكلة «عدم تخصص الفنانين» في مجال محدد، المهارات المتعددة شيء جميل، وطبيعي، ليس شائعاً بالفعل، لكن تأسيس الفنان الممثل - على سبيل المثال – ليتقن الاجتهاد في وسيط تعبيري معين، لا يعطيه تذكرة العمل والسماح في وسيط تعبيري آخر، وقد كثر اللغط في هذا المجال، خاصة ما بين فنان المسرح وفنان التلفزيون، فشتان بين الوسيطين، والكثير من العاملين في المجال الفني لا يدركون هذا الاختلاف مثلاً، وقس على ذلك جوانب وأمور كثيرة. س: استنادا إلى ما صرحت به قبل قليل ، هل تقصد أحدا بعينه في سياق ما ذكرت؟ج- حديثي يأتي على وجه العموم عن واقع الدراما الخليجية كافة، والجمهور الواعي قادر على التفريق بين الفنان المبدع، وأولئك الذين تسللوا إلى الوسط الفني حتى أصبحوا مشهورين من خلال تكرار حضورهم سواء في المسرح أو التلفزيون مثلاً، وللأسف فإنهم يحسبون على الوسط الدرامي الخليجي؛ بصريح العبارة الساحة الفنية مليئة بالمشهورين، وليس الموهوبين.س: أين حركة النقد للدراما من خارطة الفن البحريني؟ ج: النقد الفني أو لنكن أكثر دقة «النقد الدرامي» شبه معدوم، ناهيك عن الصحافة الفنية التي باتت شحيحه حيث اندثرت الملاحق الفنية من الصحافة البحرينية والتي كانت تصدر بصورة شبه يومية في أغلب الصحف.نحن نفتقر للمتخصصين في النقد الفني وللمعلومية فقد كرست رسالتي للدكتوراه في النقد الفني، وحقيقة لا أعلم إذا ما كان هناك متخصصون بحرينيون أكاديميون في هذا المجال، وحسب إدارة الجامعة التي تخرجت منها بدرجة الدكتوراه فإنني أول بحريني يتخرج بدرجة الدكتوراه في هذا التخصص.س: إذا ماهي الدوافع التي حثت علي الصايغ للتوجه إلى تقديم رسالة الدكتوراه في النقد الفني؟ج: يمكنني أن أقول الشغف النقدي و دقة الملاحظة كانا الدافع لي وذلك منذ الصغر، حيث كنت دائم التعليق والملاحظة للأخطاء التي ترد في الأفلام القديمة أثناء متابعتها مع العائلة، وأعتقد أن الفنان لابد أن يمتلك حساً نقدياً؛ النقد الذاتي لنفسه والنقد الإيجابي البناء للآخرين.س: هل واجهتك صعوبات في ممارسة النقد الفني على الدراما الخليجية؟ج: للأسف لا أحد يحتمل و يتقبل الانتقاد حتى لو كان النقد بناء فيه إفادة للطرف المُنتَقَد، ومن هذا المنطلق بات تفادي النقد المباشر أسلوباً قد يتبع، فألجأ أحياناً إلى النقد العام أو الغير مباشر حتى أبتعد عن السقوط في شرك الإحراج والحساسيات، فأغلب الوسط هم معارف وزملاء وأصدقاء، وأنا جزء من هذه الصناعة، فضلاً عن اهتمامي بكتابة المقالات النقدية باللغة الإنجليزية للأعمال الأجنبية.وبشكل عام فأنا أعتنق قناعة وأكررها دائما؛ (نحن نتعلم من بعضنا البعض، و عندما أنتقد شيئا لا يعني ذلك رغبتي في تصيد الأخطاء، بل هدفي الارتقاء بالعمل إلى مستوى أفضل لنخرج في نهاية المطاف بأقصى قدر من الإبداع).س: ماهي التوصيات والحلول التي تراها مخرجا للمضي قدما بالدراما الخليجية ورفع وتيرة الإنتاج فيها؟ج: الخيار الأمثل بنظري في وسط الظروف الحالية هي المنصات الإلكترونية، وأستند على ذلك بما أثبتته تجارب مثل «نتفلكس وشاهد»، نجاحهم منقطع النظير في استغلال المنصات الإلكترونية للعرض والإنتاج والتسويق.بورتريه الدكتور علي الصايغالدكتور علي الصايغ، مؤلف ومخرج بحريني. من مواليد مدينة المحرق عام 1976. يمتلك خبرة لأكثر من 20 عاماً في مجالات الإعلام والصحافة والدراما التلفزيونيّة وصناعة الأفلام، وهو مؤسس لمؤسسة دراما برودكشن للإنتاج الفني.ألف الصايغ عدداً من الأعمال الدراميّة التلفزيونية، كما صنع عدداً من الأفلام وبعض المسرحيات القصيرة التي حققت جوائز عدة.عمل الصايغ صحافياً في صحيفة الوقت البحرينية منذ العام 2006 ولغاية العام 2010، قبل أن يبدأ في كتابة مقالات الرأي الأسبوعية في صحيفة البلاد البحرينية منذ العام 2016، ويعرف عن الصايغ إسهاماته وكتاباته النقدية في السينما والتلفزيون، فهو حاصل على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى في فلسفة النقد الفني.
مشاركة :