يخوض رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو لعبة مزدوجة، فقد اقترح نقل جزء من صلاحيات الرئاسة إلى مجلس الشعب البيلاروسي الذي يشمل 2500 مسؤول داعم لبرامجه الرئاسية، ومن المتوقع أن تؤدي فكرته عن "انتخاب" نوابه طوال خمس سنوات إلى نشوء جهاز آخر في الدولة يفوق البرلمان أو الحكومة بصلاحياته، وإذا نجح الرئيس في قمع الاحتجاجات القائمة، فقد يتمكن أيضاً من تجاهل الضغوط الروسية لإصلاح الدستور، فهو يعرف أن الكرملين لن يتوقف عن دعمه على الأرجح خوفاً من تمدّد الاحتجاجات البيلاروسية إلى روسيا. كانت المعارضة غائبة عن هذه اللعبة عموماً، فبعد أربعة أشهر على بدء الاحتجاجات، يفتقر هذا المعسكر إلى خطة طويلة الأمد أو استراتيجية فاعلة لإسقاط النظام، وتُركّز خطته الراهنة على تكثيف الضغوط الدولية على النظام لكن لا يفكّر المعارضون بالتعاون مع كبار المسؤولين أو المجتمع عموماً. نشرت سفياتلانا تسيخانوسكايا ستة سيناريوهات عن تطورات مستقبلية محتملة، لكنها غير واقعية في معظمها، فهي تشير إلى سقوط النظام سريعاً أو تفاوضه مع المعارضة من دون تفسير كيفية تحقيق هذه الأهداف، حتى أن شعار "يسقط النظام!" الذي يخلو من أجندة إصلاحية واضحة قد لا يكفي قريباً لإرضاء المحتجين. لإجبار الحكومة على تبنّي ذلك التوجه، يجب أن تُحوّل المعارضة تركيزها من الساحة الدولية إلى الشؤون الداخلية، فتقنع الأجهزة الأمنية والمسؤولين وممثلي الدولة وكل من ينفذ أوامرهم بصمت داخل المجتمع بأن لوكاشينكو محكوم بالفشل وأن سياساته ستدمّر البلد، كذلك يجب أن تتواصل المعارضة مع النُخَب والأجهزة الأمنية. على صعيد آخر، يجب أن تتعلم المعارضة كيفية محاسبة الحكومة، فتصدر بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المستقلة رداً على سياسات النظام، وتطلق حملات متنوعة لاستهداف البرلمان والحكومة وهيئات رسمية أخرى لشرح عواقب تبنّي قوانين أو سياسات سيئة في البلد. كذلك، يجب أن تُجدد المعارضة الزخم الشعبي، إذ لم يبقَ إلا عام واحد على الانتخابات المحلية، لذا يجب أن تبدأ المعارضة بالتحضير لها، وبناءً على النشاطات المحلية التي أنتجتها الاحتجاجات، يجب أن تُحدَّد المسائل السياسية الداخلية وتخضع للنقاش. وبما أن اللجان الانتخابية المحلية ستحصل على صلاحيات كبرى، فإنه يجب أن تنطلق حملة جدّية لإقناع المسؤولين المرتقبين بأهمية النزاهة في عملهم، ولتنظيم إضراب عام فاعل، تبرز الحاجة إلى إنشاء نقابات عمالية مستقلة وإقناع الرأي العام بالانضمام إليها وابتكار الطرق اللازمة لحماية أعضائها من سوء معاملة السلطات. كانت المقاربة الأوروبية بطيئة وشائكة، لكن زاد الاتحاد الأوروبي العقوبات على النظام وهو يتابع تقديم المساعدات إلى ضحايا القمع في بيلاروسيا، حتى أنه أقرّ حديثاً حزمة مساعدات بقيمة 24 ميلون يورو لصالح المجتمع المدني والشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة ويحاول تحسين قدرات القطاع الصحي في البلد. لكنّ فرض عقوبات اقتصادية لن يحدّ من ممارسات النظام على الأرجح، حيث تثبت التجارب التاريخية أن الأنظمة الدكتاتورية قادرة على الصمود حتى لو أصبح الشعب فقيراً. باختصار يجب أن يُستعمل تكتيك جديد مع بيلاروسيا، حيث تستلم الولايات المتحدة دور القيادة، وسيكون كسب الدعم الروسي أساسياً لأن الكرملين قادر على ممارسة أقوى الضغوط على لوكاشينكو، وتستطيع الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي أن تحاول إقامة حوار بين المجتمع ولوكاشينكو من خلال الموافقة على جزء من التعديلات الدستورية التي اقترحتها المعارضة الديمقراطية مثلاً أو إقناع لوكاشينكو بالتعهد خطياً بالتخلي عن السلطة بعد إقرار دستور جديد. أخيراً، تحتاج تسيخانوسكايا وفريقها إلى توجيهات الغرب وخبرته لوضع استراتيجية واقعية وطويلة الأمد وتعلّم كيفية قيادة معارضة أكثر احترافية.
مشاركة :