نستذكر هذه الجملة كثيرًا لأنها باتت جزءًا مهمًا من تراثنا الديني الذي نشأنا عليه وأن تاريخ سلفنا الصالح كان كله مبنيا على مساعدة المظلومين الذين لا سند لهم. وأن الدين جاء لنصرة الحق الذي عمل المنافقون والانتهازيون وسماسرة الربح المادي على قلب الحق إلى باطل والعكس صحيح. تراث غني جدًا بما قام به الأجداد الأوائل من أجل إعلاء كلمة الحق ولو كانت على حساب معارك تم خوضها من أجل الحق. على هذا الأساس كانت قد بدأت ثورات ما سُمي زورًا وبهتانًا بالربيع العربي خلال العقد الذي نعيشه والذي مرَّ على جميع شعوب الدول التي فكرت يومًا ما بأن مطالبها محقة. بدأت بأسماء الله ومن أمام الجوامع وكأن لسان حالها يقول: "إننا جئنا نصرة للحق"، وسنصارع الظالمين والفاسدين من الزعماء والرؤساء أينما كانوا، حتى وصل الشعب يردد "يا الله مالنا غيرك يا الله"، لاستنهاض همم المقاتلين وبث الرعب عند الظالمين لأننا اعتمدنا فقط على الله للوصول إلى الحق. بدأت الثورة بهذه الشعارات الدينية ومن أمام الجوامع والمساجد التي تكتظ بمن يؤمن أن الله مع الحق بعد خطبة عصماء يقوم بها شيوخ من ادعوا أنهم أصحاب الدين وليس غيرهم. ولكن في هذه المعمعة والتي تحولت إلى شعارات نطلقها غير مؤمنين بها أو نقولها بلساننا من دون أن تؤمن بها بقلوبنا. منافقون أرادوا استغلال الدين من أجل سلطتهم وعقليتهم التي لم تعرف يومًا ما هو الحق وما هو الدين من أساسه. فكل ما يعرفونه أهم على حق وأن كل من يخالفهم ما هو إلا بكافر ويجب قتله ونحر رأسه باسم الله أمام الكاميرات لكي يعرفوا عن أنفسهم وكأنهم هم فقط الفئة الناجية وكل ما عداهم هي من الفئة الضالة والتي في النار. وكان شيوخ السلطان ينفخون في بوقهم ويحرضون الشعب على القتل لكل من لا يقرّ بأن ثورتهم ما هي إلا من أجل إعلاء كلمة الله. فبات كل من ينتقدهم على أفعالهم تلك في نظرهم من الكفار. والنتيجة أن كِلا الطرفين في معادلة البحث عن السلطة عند المعارضة أو التمسك بالسلطة عند النظام، النتيجة كانت تحويل ما سُمي يومًا ما بالوطن إلى جحيم على الكل من دون استثناء. فلا المعارضة التي نادت بالشعارات الدينية فلحت في أن تكون صوت الشعب ولا النظام الذي استغل الشعارات الدينية والقوموية نجح في كبح جماح المعارضة، فبات الشعب ضحية لكلا الطرفين اللذين راحوا يقتلون كل من يعارضهم ولا حياد في هذه المقتلة أو السلخانة (الوطن) ولا مستقلين فيه. عقد من الزمن والشعب يقتل يوميًا أو ينحر أو يغتصب من كِلا الطرفين والمشكلة أن كل طرف يعتبر نفسه من الفرقة الناجية والآخرين من الفرقة الضالة، وما بين الناجية والضالة تحول الوطن إلى سجن كبير ومسلخ ينحر فيه الشعب على مقصلة الحق والكرامة والحرية. ومع أن القرآن مليء بالعبر التي ينبغي أن نأخذ بها لحل معظم القضايا التي تواجه الانسان، إلا أن الطرفين لم يعودوا يؤمنون بالقرآن بقدر إيمانهم بأنه هم فقط على حق. أما الآية "وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما......"، فإنهم لم يسمعوا بها مطلقًا وصمت آذانهم عن قول الله والقرآن. سوريا التي كانت يومًا ما مهد الحضارة البشرية والإنسانية وكذلك العراق تحولتا إلى شبه دولة مشتتة ومنهارة ومتصارعة بين أحقية التمثيل الديني والقوموي وبيد من ستكون السلطة؛ ومن هي الفئة الناجية؟ صراع مذهبي وقومي لن ينتهي ما دامت هي العقلية نفسها التي تربت على أفكار البعث القوموي الشوفيني والديني المذهبي المتطرف. بلد الحضارة الذي علّم العالم كل العلوم بات يستجدي الأسلحة من الغرب كي يقتل بعضهم البعض وليثبتوا أنهم من الفئة الناجية، والغرب الذي كان يومًا ما هو العدو الذي قسم جغرافيتنا إلى أكثر من عشرين دولة، تحول إلى مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" الذي سيمنحهم الاستقرار والأمان والكرامة. معادلة تراجيدية بكل معنى الكلمة يعيشها طرفا الصراع في سوريا من معارضة ونظام وكلاهما يتممون بعضهم البعض في انحطاط وتقسيم الوطن. فهذا باع الوطن لتركيا وأردوغان والآخر باع الوطن لإيران وروسيا، ولم يتبق للشعب سوى استجداء لقمة الخبز من الطرفين أو أن يعيش في معسكرات ومخيمات الذل والتي تحولت إلى حرائق تحرقهم وهم أحياء، كما في لبنان أو في تركيا الذين تبتزهم تركيا من أجل مصالحها في أوروبا. وامعتصماه، كثيرًا ما صرخت بها المرأة السورية والعراقية من أجل أن يخلصوهن من الذل الذي يعشنه على يد السياسيين وزعماء الفصائل المسلحة بمختلف مسمياتهم وإتكائهم الأيديولوجي والمذهبي. إلا أنه ولا أحد منهم سمع هذه الاستغاثة، لانشغالهم بنهب المال والتمسك بالسلطة ولتذهب الاستغاثات ومن يطلقها للجحيم الآن. أختي في الدين والإنسانية أقولها لكِ من قلب مفجوع يعيش الغربة. إنه ليس زمن "وامعتصماه" الذي سيسمع صوتك ويأتي لنجدتك وتخليصك من المنافقين الذين يدعون الدين وهم ليسوا بأفضل من ملك الروم (ثيوفيلس بن ميخائيل)، الذي اعتدى على حرمة المدن وقتل الرجال وسبى النساء، كما تفعل الفصائل التي تدعي الدين الآن وتقوم بقتل الرجال وسبي النساء. ومن المفارقة أن ملك الروم ثيوفيليس الذي قام بفعلته تلك، واستغاث المعتصم لنداء المرأة، كل ذلك كان في عمورية. هذه المدينة التي تقع في تركيا بالجنوب من انقرة والقريبة من ملاطية. أي أن عقلية ملك الروم ثيوفيليس لا تختلف البتة عن عقلية أردوغان الذي أمر بقتل الشعب السوري بكل طوائفه وإثنياته وأمر مرتزقته بسبي النساء أيضًا، ولكن أين هو المعتصم الذي سوف يلبي نداءات الشعب السوري لتخليصهم من ملك الروم المعاصر أردوغان، الذي أعلن عن نفسه سلطان زمانه وهو خليفة المؤمنين بنظر شيوخ السلطان والمال. لذلك، أختي العزيز لا تستغيثي كثيرًا إنه ليس زمن "وامعتصماه"، بل هو زمن أن تتحول كل امرأة لقوة بحد ذاتها وتأخذ حقها بيدها. حقها بيدها يلزمه مقال آخر بكل تأكيد وهو ما ينبغي على كل النساء أن تقوم به وألا تعتمد على أحد من أجل استرداد ما أُخذ منها عنوةً.
مشاركة :