كوريا الجنوبية والشمالية في حالة حرب منذ ما يقارب 65 عاماً، وهما فعلياً في هدنة عسكرية، ولم تنتهِ هذه الحرب بنهايات الحروب المعروفة؛ أي باستسلام أحد الجانبين أو معاهدة سلام بينهما. وخلال العقود الطويلة الماضية خاض البلدان مناوشات عسكرية، وحروباً كلامية، لطالما ابتدأها الطرف الشمالي المعروف عنه عدوانيته وتحالفه مع القوى المارقة الشريرة حول العالم، ولم يتبقَّ سواه في "محور الشر" الذي جعله جورج بوش الابن توصيفاً لدول العراق وإيران وكوريا الشمالية. يقف البلدان اليوم على طرفي نقيض وبينهما بون شاسع وفرق كبير في الجوانب الحضارية والتنموية، فيكفي أن نعرف بأن اقتصاد كوريا الجنوبية يحتل المرتبة الثالثة عشرة، أما الشمالية فاقتصادها حسب الإحصائيات الأخيرة في المرتبة 129. لا يكف الجانبان على اعتبار أحدهما مهدداً للآخر، وازدادت حدة التوتر مع تصاعد أهمية منطقة "الباسفيك" وحيويتها بوصفها منطقة مصالح استراتيجية في النطاق الدولي، إذ إن كبرى الاقتصادات العالمية تقع في هذه المنطقة، بدءاً من الاقتصاد الصيني والياباني والكوري والماليزي والتايواني وغيرها من الاقتصادات الناشئة والتي في واقع الأمر مقبلة على موجة جديدة من الازدهار الاقتصادي، مما سيزيد من حالة الاضطراب وقوة الاستقطاب خصوصاً مع دخول الولايات المتحدة بأسطولها الضخم هذه المنطقة، بعدما قررت إرسال أكثر من 70 % منه إلى منطقة المحيط الهادئ (الباسفيك). وكما قلنا فإن حدة الاستقطاب في المنطقة تدفع لحدوث توتر في شبه الجزيرة الكورية، حيث ترابط القوات الأميركية في سيئول، بينما تنسق بكين وموسكو بشكل مباشر مع بيونغ يانغ، لكن في واقع الأمر أن مصدر قلق المنطقة هو ذاته مصدر قوتها وحصانتها، فعلى الرغم من حالة التوتر والاضطراب التي تكسبها كوريا الشمالية على المنطقة بتهديداتها المتكررة بشن حرب على الجار الجنوبي - كان آخرها قبل أيام -، وتزداد خطورتها مع حيازة بيونغ يانغ السلاح النووي، إلا أنه في واقع الأمر من المستبعد جداً أن تشتعل حرب جديدة بين الكوريتين، إذ لن تسمح الولايات المتحدة والصين خصوصاً بحرب على أبوابها قد تشلّ الاقتصاد الدولي، فدول شرق آسيا تسهم في 40% من حجم النمو العالمي. كما أن الدول الكبرى اليوم بدءاً من روسيا وجميع الدول التي دخلت في تحالف مع كوريا الشمالية إبان الحرب أصبحت علاقتها مع سيئول متميزة ووطيدة وعلى رأسها بكين وموسكو، فمعطيات اليوم مختلفة تماماً عن معطيات خمسينيات القرن الماضي، فإلحاق الأذى بكوريا الجنوبية سيطال مداه دولاً كثيرة حول العالم. الحرب الكورية التي انتهت عام 1953م، لم تجذب الاهتمام لها بصورة كبيرة وكانت وقتها تسمى "الحرب المنسية"، ويبدو أن هذا الوصف مناسب لها اليوم وفي حاجة له أكثر من أي وقت مضى.
مشاركة :