«فَاصْفَح الصَّفْحَ الْجَميل»

  • 8/26/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقول سبحانه وتعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ويقول سبحانه وتعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، ويقول تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا. رسول الهدى عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم ضرب لنا أروع المثل فِي التسامحِ والعفوِ حينمَا فتحَ مكةَ، إذْ قالَ (صلى الله عليه وسلم) لِمَنْ آذَوْهُ وأخرجُوهُ مِنْ بلدِهِ : يا مَعْشرَ قريشٍ ما تَظُنُّونَ أنِّي فاعِلٌ بكُمْ ؟ قالوا : خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، قالَ: (( فإنِّي أقُول لكُمْ كمَا قالَ يوسفُ لإخوَتِه : لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاءُ )). ديننا دينُ تسامحٍ وعفوٍ ، وسُّموّ بالنفس البشرية إلى أعلى مراتب السمو الأخلاقي طريقنا الممهد إلى الله - سبحانه وتعالى - وإلى المحبة والسعادة هو طريق التسامح. فالنفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح، والعفو عند المقدرة من أعظم الثواب الذي يجده المسلم عند الله ، لذة العفو لا تعادلها لذة فلنكن من العافين. كيف لا نكون والله - جلّ جلاله - أمرنا بها ورسوله عليه أفضل الصلاة قدوتنا في العفو عند المقدرة. للأسف هناك ثقافة مرفوضة ثقافة اللاتسامح سائدة في هذا العصر وتعززها مشاهد العنف في شبكة الإنترنت، والأكثر أسفاً وإيلاماً أن الضحايا صغارنا فلذات أكبادنا هم الأكثر مشاهدة للعنف الذي تمتلئ به المواقع التي تصور العنف بأنه بطولة وشجاعة. في أفلام الأطفال عنف وفي الألعاب عنف وفي الآي باد والبليستيشن وغيرها لا نسمع منهم وهم يلعبون سوى قتلتهُ .. هزمتهُ .. سحقتهُ .. انتصرتُ عليه عنفٌ زائد عنفٍ يمسح بالتأكيد كل ثقافة للتسامح، علاوة على ما تقدمه التلفزة من الأفلام وقصص الغدر والمؤامرات والكذب والخيانة ... الخ. نحن مسئولون عن نشر ثقافة التسامح المأمورين بها والموصين عليها وعلى نشرها كما أننا في نفس الوقت مسئولون عن ثقافة اللاتسامح ونشرها .. كيف؟!! أشرح ما أقصده : عندما لا نضع أساساً قوياً لبناء أبنائنا في مرحلة الطفولة المبكرة، هذه المرحلة هي مرحلة البناء الإنساني بناء شخصية الفرد بغض النظر عن متانة هذا البناء أو هشاشته، فمتانة البناء وهشاشته مسئوليتنا نحن. أشرح بإيجاز التسامح بناء نفسي وجداني يُبنى من قبل الأم والأب والأسرة والمدرسة وهذا البناء يضعُ اللبنةَ الأولى في بنائهِ الأمُ والأبُ والأسرةُ ومرحلة الطفولة المبكرة المحطة الأولى في بناء الضمير والقيم والمبادئ والأخلاق والتسامح قمة الأخلاق والرحمة والعطف وحب الناس ونبذ الكراهية والعنف دعائم في صرح هذا البناء. وتأتي المراحل الأخرى لتكمل البناء بعد أن اكتملت الشخصية السوية دينياً وأخلاقياً واجتماعياً ورضعت القيم والمبادئ مبكرة. تأتي المراحل الأخرى فتتمم بناء فكر سليم وعقل راجح مميز لا تزعزعه رياح الأفكار المضللة ومع المتابعة المستمرة منا نحن الأسرة ونحن المدرسة ونحن المجتمع بكل فئاته. التربية السيئة السبب الرئيس في ظهور ثقافة اللاتسامح المعادية للإنسان نفسه وللبشرية كلها. أثبت علماء النفس أن من تعود على التسامح يكتسب مناعة مع مرور الزمن فلا يحدث له أي توتر نفسي أو استغلال عاطفي بعكس من يرد الإساءة بالإساءة يظل حبيس نفسه متشرنقاً بشرنقة الانتقام وينتظر الرد. لنتسامح ونتصاف.. لم لا ؟!! كم هي عظيمة تلك النّفوس المتسامحة التي تنسى إساءة من حولها !! صافيةً شفّافة فلا حسد ولا حقد، بل حب نابع من وصية الخالق. وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلاّ عزاً .. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ , قَالَ : لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الآخِرَةِ؟ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ عليك أفضل الصلاة والسلام يا حبيبي يا رسول الله. وقوله تعالى : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم. هذا هو المجتمع الذي نريده، مجتمع متسامح محب متماسك، يبدأ بالتربية السليمة، فكما نزرع نحصد.

مشاركة :