عدن - أكدت مصادر يمنية متطابقة وشهود عيان في محافظة تعز لـ”العرب” استهداف الحوثيين لمطار عدن بعدد من الصواريخ الباليستية التي تم إطلاقها من مطار تعز الخاضع لسيطرة الحوثيين، قبيل وصول الطائرة التي تقل الحكومة اليمنية، في خطوة قال مراقبون إن الهدف منها منع تنفيذ اتفاق الرياض وما يتبعه من تشكيل حكومة وحدة تتولى إدارة الملف العسكري والأمني. وأشارت المصادر إلى سقوط عدد من الصواريخ في صالة مطار عدن الدولي ومدرجه قبل لحظات من مغادرة أعضاء الحكومة اليمنية برئاسة معين عبدالملك للطائرة، الأمر الذي تسبب في مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح 60 آخرين ممن كانوا في استقبال الحكومة، من بينهم ياسمين العواضي وكيلة وزارة الأشغال وموظف محلي في الصليب الأحمر الدولي. ووفقا للمصادر فقد خلفت الصواريخ دمارا كبيرا في صالة المطار ومدرجه، غير أنها لم تصب الطائرة التي تقل الحكومة القادمة من العاصمة السعودية الرياض، وأشارت المصادر نفسها إلى أن قوات التحالف العربي قامت بإخلاء الطائرة ونقل أعضاء الحكومة إلى مقر إقامتهم في القصر الرئاسي في منطقة معاشيق. وشهدت عدن بعد الحادث تشديدا للإجراءات الأمنية، فيما تم إغلاق مطار عدن وتحويل رحلات الخطوط الجوية اليمنية إلى مطار سيئون بمحافظة حضرموت. ونفت مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” صحة الأنباء التي تحدثت عن تعرض القصر الرئاسي في معاشيق لهجوم بالصواريخ، مشيرة إلى أن القوات التي تتولى حماية القصر قامت باختبار بعض أسلحة الدفاع الجوي تحسبا لأي هجمات جديدة، في ظل معلومات عن رصد طائرات مسيّرة في أجواء محافظة لحج (شمال عدن) يعتقد أنها حوثية. وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية إن الرئيس عبدربه منصور هادي وجه بتشكيل لجنة “للتحقيق في تداعيات العمل الإرهابي (…) برئاسة وزير الداخلية وعضوية قيادات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والسلطة المحلية بعدن بالتنسيق مع تحالف دعم الشرعية”. وأكد رئيس الحكومة اليمنية في أول ظهور له بعد الحادث أن الحكومة ستبقى في عدن “لتمارس كل مهامها وأعمالها مسنودة بإرادة من الشعب”. وفي اتصال مع “العرب” من عدن، قال الصحافي اليمني محمد فهد الجنيدي إن “الهجوم فشل في تحقيق هدفه المتمثل في استهداف أعضاء الحكومة”. وعن تفاصيل الحادث قال الجنيدي لـ”العرب”، “كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرًا حينما سمعت دوي انفجارات بجانبي ومن ثم إطلاق نار، قبل أن أسمع سيارات الإسعاف تهرع إلى المكان ولم تتوقف حتى الثالثة عصرا، ولا يمكن تحديد عدد القتلى والجرحى في هذه التفجيرات بدقة، لكن بدا واضحا أن هناك جنودا ومدنيين كُثرا قتلوا وجرحوا، ممن كانوا داخل المطار”. وأشار الجنيدي إلى أن التفجيرات التي شهدها مطار عدن شبيهة بالتفجير الذي اغتيل على إثره العميد منير اليافعي “أبواليمامة” القيادي في ألوية الدعم والإسناد في أغسطس من العام الماضي، “مع اختلاف يتمثل في أن هناك أكثر من تفجير استهدف المطار”. واعتبر مراقبون أن حادث استهداف مطار عدن لحظة وصول الحكومة الجديدة المنبثقة عن اتفاق الرياض يضاعف التحديات أمامها وخصوصا في الملف العسكري والأمني، الذي تعمل بعض الأطراف الرافضة لاتفاق الرياض على التسلل منه لإفشال الحكومة الجديدة وإرباك التحالف العربي وخلط الأوراق. وفي تصريح لـ”العرب” وصف الباحث السياسي اليمني مصطفى غليس حكومة معين عبدالملك بأنها حكومة الفرصة الأخيرة، لافتا إلى أن استهدافها بهجوم إرهابي ليس إلا محاولة لضرب البرنامج المناط بها تنفيذه. وأضاف “نعلم جميعًا أننا في حالة حرب مع ميليشيا الحوثي وأنها تريد عرقلة هذه الحكومة وخلط الأوراق لإفشال المسار السياسي الذي توافق عليه فرقاء “الشرعية” بناء على اتفاق الرياض الذي أنجز الكثير من أهدافه الرامية إلى توحيد الصف”. وعن الجهة التي تقف خلف الحادث، أشار غليس إلى أن التسجيلات التي وثقت الانفجار تؤكد أنه هجوم صاروخي تم تنفيذه من خلال الطيران المسير وتقف خلفه ميليشيا الحوثي، وهو ما أكده وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني. وقال الإرياني في تغريدة على تويتر بعد حوالي ساعة من الانفجار إن “الهجوم الإرهابي الجبان الذي نفذته ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على مطار عدن لن يثنينا عن القيام بواجبنا الوطني”. وتوالت المواقف المنددة بالحادث، حيث وصف وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش استهداف مطار عدن بأنه “استهداف لاتفاق الرياض ولما يحمله من آفاق للاستقرار والسلام في اليمن الشقيق”. وأضاف في تغريدة على تويتر “سيفشل التحريض والتخريب والعنف والإرهاب أمام مشروع السلام الذي تقوده السعودية الشقيقة لخير اليمن والمنطقة”. وأدان المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الهجوم على مطار عدن فور وصول أعضاء الحكومة. وقال “أتمنى لمجلس الوزراء الصلابة في مواجهة المهام الصعبة المقبلة. إن هذا العمل العنيف غير مقبول، وهو تذكير مأساوي بأهمية إعادة اليمن بشكل عاجل إلى طريق السلام”. واعتبر السفير السعودي في اليمن وأحد مهندسي اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، محمد آل جابر، استهداف الحكومة اليمنية عند وصولها إلى مطار عدن بأنه “عمل إرهابي جبان يستهدف كل الشعب اليمني وأمنه واستقراره وحياته اليومية، ويؤكد حجم الخيبة والتخبط الذي وصل إليه صانعو الموت والتدمير نتيجة نجاح تنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة اليمنية ومباشرتها للبدء في مهامها لخدمة الشعب اليمني”. وتضع محاولة استهداف الحكومة اليمنية الجديدة “الشرعية” المعترف بها دوليا أمام تحديات هائلة، في ما يتعلق بإعادة النظر حيال طبيعة عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية، وضرورة تنشيط العمل الاستخباري في مواجهة الاختراق الحوثي، إضافة إلى التعامل بجدية مع النشاط المعادي للتحالف وأهداف “الشرعية” من داخل المؤسسات الحكومية.
مشاركة :