تعافت أسواق النفط الخام قليلا، أمس الثلاثاء، بعد أن منيت بخسائر فادحة في الجلسة السابقة، لكن الأسعار ظلت قرب أدنى مستوياتها في ستة أعوام ونصف العام، بسبب تخمة المعروض والقلق إزاء خطورة التباطؤ الاقتصادي في الصين. وتعافت أسواق الأسهم في أوروبا أمس، في حين أغلقت الأسهم في الصين على هبوط تجاوز سبعة في المائة، وتفاقمت موجة البيع بعد أن نزل مؤشر شنغهاي المجمع عن مستوى دعم رئيسي عند ثلاثة آلاف نقطة. وأمس، أعلنت الصين خفض أسعار الفائدة في أحدث خطوة تتبناها لتحفيز النمو، لكن لم يطرأ تغيير يذكر على سعر النفط جراء ذلك. وارتفع الخام الأميركي 1.15 دولار إلى 39.39 دولار للبرميل، في حين زاد برنت 1.30 دولار إلى 43.99 دولار. وقال أوليفر جاكوب، محلل شؤون النفط في «بتروماتريكس»: «خلال الأيام القليلة الماضية رأينا إلى حد كبير تأثير أسواق الأسهم. هناك مبالغة شديدة في بيع النفط». وانخفضت أسعار النفط لأقل مستوياتها منذ أوائل عام 2009. ورغم الارتفاع الطفيف اليوم فإن محللين كثيرين يرون أن العوامل الأساسية ستبقي الأسعار منخفضة. وقال فريدريك نيومان، الرئيس المشارك لبحوث الاقتصادات الآسيوية في «إتش إس بي سي»: «اقتصاد الصين يواصل التباطؤ، ولا يزال احتمال رفع مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة قبل نهاية العام قائما، مما يحدث صدعا في ركيزتين أساسيتين لنمو الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة: الطلب في الصين - ويشمل السلع الأولية - والتيسير النقدي». إلا أن نيومان استبعد تكرار الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق الآسيوية في أواخر التسعينات. وأسفر أحدث اجتماع غير عادي لمناقشة انحدار الأسعار والذي عقد في 2008 عن قيام منظمة البلدان المصدرة للبترول بأكبر خفض للإنتاج على الإطلاق مما مهد لارتفاع الأسعار إلى المثلين في غضون عام. لكن دعوات هذه الأيام إلى اجتماع استثنائي لمعالجة تهاوي الأسعار أصبحت أقرب إلى علامة على تنامي الخلافات داخل المنظمة وليس مؤشرا على قرار بخصوص سياسة الإنتاج. ورغم أن النظام الأساسي لـ«أوبك» ينص على أن موافقة أغلبية بسيطة بين الـ12 عضوا تكفي لعقد اجتماع غير عادي فإن مندوبين بالمنظمة، يقولون إن ذلك لن يحدث دون دعم السعودية التي لم تعلن موافقتها حتى الآن. وفي ظل استمرار انخفاض أسعار النفط يتنامى التأييد بين الأعضاء غير الخليجيين في «أوبك» لاتخاذ إجراء بل إن بعض المسؤولين الخليجيين ساورهم القلق بعد أحدث تراجع للأسعار. لكن صناع السياسات في كبار المنتجين في أوبك يلزمون الصمت. ودون مشاركة السعوديين فإنه حتى بعض أعضاء «أوبك» الراغبين بشدة في رفع الأسعار يقولون إن عقد اجتماع علني مفاجئ ليس الطريقة الملائمة وقد يؤدي فقط إلى تعقيد الأمور. وقال مندوب في «أوبك»: «المناخ السائد هنا هو عدم عقد أي اجتماع دون الوصول إلى وحدة في المواقف والإجراءات من جانب الأغلبية على الأقل، دون هذا سيكون الاجتماع بلا جدوى. بل قد يكون أكثر سوءا ويضع المزيد من الضغوط على الأسعار في حالة عدم التوصل إلى اتفاق». وتراجع النفط إلى نحو 42 دولارا للبرميل هذا الأسبوع مسجلا أدنى مستوياته منذ أوائل 2009 تحت ضغوط من وفرة الإمدادات والقلق من تباطؤ نمو اقتصاد الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم. وتفاقمت خسائر الأسعار بعد أن غيرت «أوبك» في 2014 سياستها للدفاع عن حصتها في السوق وتضييق الخناق على مصادر المعروض المنافسة من المنتجين الآخرين بدلا من خفض معروضها. وقادت السعودية وحلفاؤها الخليجيون ذلك التحول في السياسة. ويريد الأعضاء غير الخليجيين أن تأخذ «أوبك» إجراء. وقال مندوبون إن «الجزائر كتبت إلى (أوبك) تعرب عن قلقها بخصوص السوق»، وقالت إيران يوم الأحد إن اجتماعا طارئا لـ«أوبك» قد يكون فعالا في جلب الاستقرار إلى الأسعار. لكن مندوبين آخرين استبعدا أن تلتئم «أوبك» قبل اجتماعها المقرر 4 ديسمبر (كانون الأول) القادم. وقال مندوب « لا اجتماع طارئا لـ(أوبك) - لا يوجد شيء». وقال الآخر إن «أيا من الدول الأعضاء لم يتقدم بطلب رسمي لعقد مثل هذا الاجتماع». لا رغبة في خفض الإنتاج ولم يدل وزير البترول السعودي علي النعيمي بتصريحات علنية عن الأسعار منذ 18 يونيو (حزيران) عندما قال إنه متفائل بشأن السوق في الأشهر القادمة وكان برنت حينذاك فوق 63 دولارا. ولزم المسؤولون السعوديون الصمت مع تراجع الأسعار هذا الأسبوع. ويقول مندوبون في «أوبك» ومصادر بصناعة النفط إنه سيكون من الصعب على السعودية أن تتراجع عن السياسة التي ناصرتها ولا سيما في وقت رفع فيه العراق صادراته إلى مستويات قياسية مرتفعة وتأمل إيران بزيادة إمداداتها في حالة رفع العقوبات عنها. وتلتقي «أوبك» مرتين سنويا منذ 2011. وتكررت اجتماعات المنظمة بمعدلات أكبر للتعامل مع انهيارات سابقة للأسعار وكانت تعقد ثمانية اجتماعات سنويا في أوائل العقد الماضي بعضها كان بعد أيام قليلة فقط من الإعلان عنها. وإلى جانب الاجتماع الاستثنائي تستطيع «أوبك» عقد اجتماع تشاوري بطلب من رئيسها. وآخر اجتماع من هذا النوع كان في أواخر 2008 عندما انهارت الأسعار بسبب الأزمة المالية العالمية وقامت «أوبك» بخفض قياسي للإنتاج. لكن الاختلاف الآن هو عدم توافر الرغبة في كبح المعروض. وقال المندوب الأول وهو من أحد كبار منتجي «أوبك» ما من أحد مستعد لخفض الإنتاج. وقال مندوب خليجي في «أوبك» إنه «لا يتوقع أن تغير السعودية استراتيجيتها وإن برنت قد يتراجع إلى 40 دولارا قبل أن يتعافى. وستكون مؤشرات إلى خفض للصادرات من دول (أوبك) أكثر ترجيحا في تعزيز الأسعار من الكلام عن اجتماع». ووفقا لبيانات لتحميل الناقلات تراجعت صادرات النفط العراقية بما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميا في السبعة عشر يوما الأولى من أغسطس (آب) مما سيجعل من الصعب المحافظة على زيادة مطردة في إنتاج «أوبك» هذا الشهر. وقال المندوب: «سيحدث خفض الإنتاج رد فعل قويا وفوريا في السوق - وهذا أفضل من اجتماع لا يسفر عن نتيجة.. الدعوة لعقد اجتماع طارئ لن تساعد على الإطلاق».
مشاركة :