المرأة مظلومة في أمثالنا الشعبية

  • 12/31/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من المؤكد أن الأمور تغيرت كثيراً إلى الأفضل في معاملة المرأة والنظرة إليها بشكل عام، تغيرت الآن عمّا هي عليه في بيئة مجتمعنا القديم حين قيلت تلك الأمثال الشعبية في المرأة، والتي سنورد ما يحضرنا منها معتمدين بشكل كبير على الكتاب المتميز: "موسوعة الأمثال الشعبية في شبه جزيرة العرب"، والذي هو جهد فردي رائع للأستاذ الفاضل عبدالكريم الجهيمان وثق فيه مأثورنا الشعبي من أمثال في هذا الكتاب، ومن أساطير وسباحين في كتابه الآخر الأساطير الشعبية. @@@ والأمثال وجدان أمة .. وتعبير عن شعور عام.. ليس لها صفة الشمول والتعميم بطبيعة الحال ولكنها تشبه "قياس الرأي العام" في العصر الحديث إلى حد بعيد، فهي مثله تقدم الصورة الغالبة والرأي السائد، أو قل إن الأمثال الشعبية إذا كان أكثرها يعبِّر عن فكرة واحدة، ويعطي انطباعاً متشابهاً، ويصور الموضوع الذي ضُربت فيه تلك الأمثال، بصورة حسنة أو غير حسنة، فإنه لا يُمثِّل رأي الجميع ولكن يُمثِّل رأي الغالبية، ويصور رد الفعل لدى معاصري تلك الأمثال نحو الموضوع مثار المثل، كما أن التمعن في دراسة الأمثال الشعبية بالتفصيل يعطي تصوراً قريباً للواقع للبيئة الاجتماعية التي ولدت فيها تلك الأمثال، فكما أن الأطفال يشبهون آباءهم أو أمهاتهم أو أقاربهم المقربين، فالأمثال كذلك إلى حد بعيد، الأمثال هي مواليد الشعوب.. @@@ وأمثالنا الشعبية الواردة في (المرأة) ليست كلها ظالمة.. ولكن أكثرها .. هناك أمثال واقعية منصفة إلى حد كبير.. ولكن أكثر الأمثال الشعبية التي قرأتها عن المرأة لا تنصف المرأة بل تظلمها بشكل.. أو بآخر.. وتحمل لها بعض الاتهامات.. وقد تسخر منها.. ومن تلك الأمثال الشعبية الواردة في النساء: (حلومهن علومهن) وهو مثل مختصر يوحي بعدد من المعاني والانطباعات: 1- يرمز إلى أنَّ أخبار المرأة مثل أحلامها لا تؤخذ بعين الاعتبار.. 2- يوحي بأنَّ المرأة ثرثارة وكلامها غير مفيد كأنه أضغاث الأحلام.. 3- وربما يدل على طمع المرأة إذا كانت كلمة (حلوم) المحرفة من أحلام - لا تدل على أحلام الليل بل على أحلام اليقظة، فهي حين تحلم بتملك شيء تطالب زوجها أو أباها بشرائه.. @@@ (ما يجتمع زَينء وبنت رجَّال) هذا المثل يدعو الخاطب للتواضع وعدم طلب الكمال أو شبه الكمال.. وهذا المعنى جميل ومفيد.. ولكن المثل يجور على النساء فكأنه يقسمهن إلى قسمين: 1- جميلات ولكن عائلاتهن لا تُشَرِّف. 2- غير جميلات ولكن عائلتهن تشرِّف الزوج وتنجب النسل الجيد.. هكذا يوحي المثل وهذا غير صحيح، فالجمال مقسوم بين النساء.. ولكل امرأة جمالها الخاص.. ولكل رجل ذوقه.. وبنات الرِّجال المشرِّفين فيهن جميلات جداً.. والعكس صحيح.. يوجد "شين وقوة عين".. ولعل المثل قيل لتسلية من لم تكمل رغباته في شريكة العمر ولم يُحَقِّق كل ما يريد ولكن مثلنا الشعبي هذا أقسى في مضمونه من المثل المصري "يا خسارة الحلو ما يكملش".. فالجمال التام نادر فعلاً.. أما اجتماع جمال المرأة مع نبل أسرتها فهو كثير جداً ولله الحمد.. @@@ (اضرب النسا بالنسا والهجن بالعصا) وهو مثل يدعو الرجل للزواج على امرأته إذا لم تُلبِّ طلباته ويرى أنها سوف تستقيم بذلك وتُلبِّي له ما يريد، ولعله مأخوذ من المثل العربي القديم: "داو المرأة بالمرأة".. وكلا المثلين ليسا علاجاً ولكنهما عقاب قاس.. و"داو المرأة بالمرأة" أصلح ما يكون للعاشق الذي لم يستطع الزواج من معشوقته فأصابه منها داء، فإن علاجه هو الزواج ممن يرضاها وسوف تداوي جروحه مع الزمن.. إن الحياة الزوجية القائمة على التفاهم والاحترام المتبادل في بيئة يسود فيها الود العائلي والاحترام والتفاهم لا تُضرب فيها المرأة بالمرأة، وإلا تعدد الزواج والطلاق إلى ما لا نهاية لأن لكل امرأة عيوبها كما أن لكل رجل عيوبه، وقد تكون عيوب الرجال أكثر وهم لا يشعرون، التفاهم والتضحيات المتبادلة والاحترام وإدراك استحالة الكمال والتكيُّف المتبادل هو الحل.. @@@ (بغيضة وجابت بنت) يضرب مثلاً للمرأة التي يبغضها زوجها، وحين حملت ولدت بنتاً، والمثل واضح في كراهية البنات ونسبة إنجاب الأنثى للزوجة مع أن الطب الحديث لا ينسب ذلك لها بل للرجل، والبنات هن زينة البيوت وأكثر من الأولاد رقة وحناناً ورحمة.. @@@ (شاوروهن واعصوهن)! وهذا مثل شعبي نجد له شواهد في التراث العربي.. وهو ظالم للمرأة.. فمن القهر أن تشاورها وأنت مصمم مسبقاً على عصيان شورها.. فلماذا اتخاذ هذا الموقف أصلاً؟ إن المرأة تُستشار في كل ما يخصها - بما في ذلك بناء البيت وتأثيثه - ويؤخذ رأيها بعين الاعتبار ويتم تداول الرأي بين الزوجين وفق تفاهم يسوده الحب والاحترام والنية الطيبة للوصول للأفضل وليس النية السيئة المبيتة سلفاً بعصيان المرأة والعمل ضد إرادتها! @@@ "والعجائز" هن الجدات والأمهات الطاعنات في السن، وما عرفهن في مجتمعنا إلا على سجادات الصلاة عابدات ذاكرات لله، وفيهن حنان على الأحفاد وحرص على ما يسرهم برواية السباحين والقصص، ولكن كثيراً من أمثالنا الشعبية تظلم العجائز بشكل بشع.. ومن تلك الأمثال: @ (ترى العجايز ناقلات النمايم). @ (قال دوّر حيلة قال عند العجايز). @ (عجوز بدو تبكي ولا يُبكى عليها). والغريب أن المجتمع الغربي - مع بعده عن القيم الإسلامية -- ترى المرأة العجوز فيه تسير مع زوجها الطاعن في السن رويداً رويداً يتسامران ويسافران معاً ويعيشان حياتهما بمودة وحنان ويسترجعان ذكرياتهما بينما الكثير منا إذا كبرت زوجته أهملها إهمالاً موجعاً.. @@@ (طبخك يا الرفلى وكليه) وكل الأمثال تجاوز معناها الحرفي لكل مناسبة تماثلها، فيقال المثل لكل من عمل ما يشابه ذلك، ولكنَّ الشاهد هنا أنَّ المرأة في مجتمعنا - بل وفي كثير من مجتمعات الدنيا - إن أحسنت لم يحس الرجال بذلك.. وإن أساءت أحسوا بذلك فوراً وبوضوح وربما علا الصراخ!!.. يروي "ديل كارنيجي" أن امرأة قروية كانت تطبخ لعائلتها الكبيرة جداً عشرين عاماً، وعائلتها ممتدة من زوج وأبوه واخوان وأحفاد، وذات يوم قدمت لهم أطباق طعام رديء فصرخوا محتجين فضحكت وقالت: "الطعام الجيد موجود وسوف أحضره الآن، ولكنني أردت أن أدري أنكم تفرقون بين الطعام الجيد وبين الرديء، لقد ظللت أطبخ لكم عشرين عاماً بكل مهارة ولم أسمع طوال تلك السنين كلمة ثناء واحدة!.. وحين قدمت لكم طبخاً غير جيد مرة واحدة علا صراخكم واحتجاجكم!..." ويقول هنري فورد: "كل قرن يموت إنسان من شدة الثناء، ولكن كل دقيقة يموت إنسان لانعدام الثناء". قلت: والمرأة أشد حاجة للثناء الصادق الصادر من قلب رجلها، فهي تهتم برأيه وذوقه وتحرص على ذلك وتبذل الجهد وتنتظر منه كلمة طيبة تنفعها وتنفعه ولكن كثيراً من الرجال اعتادوا على الصمت واعتبار ما يقدم لهم واجباً، أما حين يحدث خطأ فاللوم جاهز وفوري. @@@ وهناك مثل شعبي يقول: (الشور عند أم الولد)! وهو جيد إن كان على ظاهره.. ولكنه كثيراً ما يقال سخرية من الرجل الذي يطاوع زوجته في كثير من الأمور حباً لها واحتراماً وإحساساً بأن الحياة مشاركة، وهي كذلك فعلاً، فهي تطيعه وهو يطيعها، ولكن هذا لا يرضي كثيرين ممن لا يعيشون حياة زوجية سوية أو لا يحترمون المرأة، فهم يقولون عن هذا الرجل الفاهم "يخاف من زوجته" وهو قول يدل على تباين النظرة للمرأة، ففي اعتقاد هؤلاء أن الذي يحرص على سعادة زوجته كما تحرص هي على سعادته، يخاف منها، وهم بهذا لا يفهمون الحياة السعيدة مع الأسف. @@@ وللحق فإن موروثنا الشعبي من الأمثال لا ينفرد وحده بالميل إلى ظلم المرأة.. فمعرفة الأمثال العالمية ولدى كل الشعوب التي قرأت لها تكاد تعزف نفس اللحن مع اختلاف في الإيقاع.. وفي الحياة نساء شريرات حقاً، ورجال أشد شرّاً، والخبر الشرير له أجنحة، ويعبر القارات.. كما أن الرجال الذين هاجموا المرأة بالأمثال والأقوال الساخرة انطلقوا من تجارب شخصية لا يصح تعميمها وإن جاز التسلي بها.. فما هي في نهاية المطاف إلا آهة مقهور ونفثة مصدور.. ويظل الرجال يقولون في النساء ما يريدون، وتظل النساء تفعل بالرجال ما يردن!

مشاركة :