لطالما شعرت بشيء من تردد.. وبعض مشاعر أسى وأنا احزم حقائبي للسفر لخارج المدينة المنورة سواء للرحلات الداخلية او الخارجية وحتى في أسعد اللحظات و أجمل المناسبات .. ولكن إن كانت الوجهة مكة المكرمة فهي المدينة الوحيدة بالعالم التي لا يؤنبني ضميري وأنا مغادرة إليها محملة بالحنين إليها و بالشوق للبيت الحرام .. للكعبة المشرفة .. لأول بيت وضع للناس .. للمدينة التي شهدت مولد نبي الأمة و مهبط الرسالة .. والتي أحبها نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وظل حبها بقلبه عمرا بعد الهجرة رغم ما ناله من ظلم ذوي القربى و اضطهادهم له ، و نكرانهم لنبوته صلاة ربي وسلامه عليه، حتى حبب الله إليه المدينة المنورة ولاقى من حب أهلها ونصرته ما لاقى ... وأسماها طابة وطيبة والحبيبة .. وغيرها من الأسماء الأثيرة الدالة على عظمتها ومكانتها الكبيرة و ورثنا عنه عليه الصلاة والسلام حب مكة المكرمة و حب المدينة المنورة أشد ، تماما كما دعى صلى الله عليه وسلم ربه حين قال : اللَّهمَّ حبِّبْ إلينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مَكَّةَ أو أشدَّ ، وانقل حُمَّاها إلى الجحفةِ ، اللَّهمَّ بارِك لنا في مدِّنا وصاعِنا ) [حديث صحيح] فاستجيب له وجعل حب المدينة ضعفا و جعل فيها البركة بركتين . وكما جعل الله مكة مهوى قلوب المؤمنين بدعوة إبراهيم عليه السلام ، سكنت قلوبهم المدينة و تضاعف حبها ضعفين و أشد بدعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . مكة والمدينة درتا المدن في العالم لجمال لا يقدره سوى المؤمنين حقا ،نعمة من الله منَّ بها علينا نحن المسلمين في كل مكان .. نستشعر فيهما الأمن والسكينة .. و تغمرنا مشاعر غداقة بالسكينة، و أجواء مفعمة بالخشوع والروحانية .. تلك التي تجعلنا نتخفف من أعباء الحياة بركعة في حماها .. وسجدة على ثراها .. ونسمة من هواها .. و تبدد مشاعر الحزن والغربة في رباها .. فهي قرة أعين المؤمنين .. و أنس المستوحشين .. يستقبلونها بحب ويودعونها بشوق آملين السكنى فيهما ، وإن لم تتيسر لهما الإقامة فالعودة إليهما بأقرب فرصة . كيف لا وقد شهدتا أعظم مراحل التاريخ الإسلامي وبداية الدعوة و جعل الله فيهما مساجدا تشد اليها الرحال لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) متفق عليه اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان .. والأمان في حمى الرحمن ودرة الأوطان مملكتنا الغالية التي لم تبخل بالنفيس الغالي لخدمتهما وتطويرهما عبر العهود ولا تزال تشهد المشاريع الحضارية الضخمة على مدار الساعة في هذا العهد الميمون .
مشاركة :