رؤية نقدية حول رواية أنثى العابد  للروائية اليمنية شذى الخطيب

  • 1/2/2021
  • 09:10
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تخوض رواية أنثى العابد في زوايا عميقة من حيث الرؤية والموضوع، إذ تقدم عمل ابداعي يحاور المسكوت عنه، وإذ تخوض الكاتبة في كتابة بعض أعمالها الحديثة من باب الكتابة الجديدة بالخروج من الكلاسيكية الشكلية للرواية العربية في خطاب الشخصية من حيث فلسفة الخطاب الذي يخرج بالشخصية من البعد الشكلي إلى الفضاء الفلسفي الفكري الفضفاض، إلا أنها في أنثى العابد أيضا تحاول التطرق إلى اشكاليات عديدة، والغوص بعيدا في كسر التابو الذي ظل لزمن بعيد خارج الكتابة الابداعية من حيث الموضوع الذي تتطرق إليها أو حتى من حيث الشكل الذي تحاول الرحيل بالرواية من خلاله، إذ تمارس مزاوجة عدة أجناس منها فن الكتابة المكثفة، والرسائل والاقتباس الديني أو حتى الاقتباس الغنائي إلى جانب النمط المتوازي لخلق قصتين متوازيتين بداخل بعضهما البعض. أما بالنسبة للموضوع والذي نراه بارزا من أول لحظة في عتبة العنوان موضوع شائك وحساس أنثى العابد مع أن العنوان مباشر، ولكنه يحمل استعارات وترميز واحاله إلى أنثوية الخطاب والجانب الديني، وهذا ما حدث بالفعل، فرواية أنثى العابد تناقش موضوع الرقص الشرقي، والتي نراها ترحل من خلاله مع تاريخ الرقص، وتربط كل ذلك منذ أول استهلال في الرواية بالتصوف أو الدروشة، وترحل في الخطاب الروائي لتحاول فلسفة الرواية من خلال هذه المفاهيم، فنراها ترحل مع الرقص الشرقي منذ بداياته في بدايات القرن العشرين وربما تعود أيضا إلى زمن التاريخ الاسلامي للبحث عن تاريخ قديم لهذا الفن الشرقي، من ثم نراها تعكس القيمة للتحدث عن التصوف، فترحل في الموروث الديني حتى يصل بها الجرأة أن تمزج الرقص بالموروث الديني، والرموز الدينية من خلال تكنيك الروي الذي اعتمدت فيه روايتها.تبدأ الرواية مع غالية العابد، وهي فتاة تتحدث عن ولعها بالرقص، وعن تاريخ والدتها الراقصة لتتطور الرواية، وتبدا الكاتبة لعبة المزاوجة بين الرقص الذي تحول تتبع تاريخه روائيا واستحضار شخصياته وربطها ببطلة العمل «سمارة تيمور» والدة غالية، من حيث الصنعة الروائية إلى جانب تحول الخطاب إلى التصوف في مستوى معين، رواية أنثى العابد رواية ممزوجة بين الرقص والدين، فالكاتبة تحاول فرض قيمة موضوعية بين القطبين من خلال علاقة البطلة «سمارة تيمور» والتي تخلقها الكاتبة من مزج مجموعة من شخصيات الرقص الشرقي مثل ببا عز الدين ونعيمة عاكف وفريدة فهمي، والتي تأخذ من كل واحده منهن مستوى معين لخلق شخصيتها المختلفة، فتأخذ تاريخ الانضمام لفرقة رضا من فريدة فهمي وتاريخ العمل والاعتزال من نعيمة عاكف، وتاريخ الموت بحادث سيارة من ببا عز الدين، وهذا المزيج المدروس يقدم شكل مختلف للراقصة الشرقية ربما محاولة من الرائية خفض حدة كسر التابو إذا تحاول اعادة موضعة الرقص الشرقي بالجانب الابداعي الاستعراضي، من خلال فلسفة خطاب الرقص ومزجه بالأسلوب الصوفي المتمثل بشخصية «إحسان العابد» الذي يبدا مسيرته بالتصوف بعد رحلة من العمل في فرقة استعراضية، إن الخطاب الذي حاولت كاتبة العمل موضعة العمل به يحاول إعادة ضبط الرؤية السلبية للرقص الشرقي خصوصا والرقص عموما، فنحن نرى الكاتبة تستميت في سرديتها بوضع تفسير فلسفي للرقص يأخذ من الجانب الديني بعض النصوص والاقتباسات ومن الجانب القصصي السردي، إن خطاب الرقص الشرقي بالمفهوم العام خطاب ظل لفترة طويلة ينظر له بأنه خطاب مبتذل (دوني) من هنا تحاول الكاتبة في هذا العمل ضبط المعايير برؤية مغايرة لتغيير النظرة، بالنسبة للشكل للسردي، فالروي المتعدد الاساليب والبنى الشكلية المتفاوتة، والخطوط المتقاطع لروايتين متداخلتين في نسق واحد والأصوات السردية والحوارية كلها حاضرة في الرواية. وتحضر الشخصيات بأشكالها المتنوعة ودياناته المختلطة وجوانبها الدينية لتزيد مزج الخطاب الديني بالرقص كان دروشة أو رقص ايقاعي فلكلوري أو رقص شرقي، فالشخصية تتطور وتمارس حضورها بشكل بارز بكل اشكالها، الطفلة والأب والأم والحبيب والصديق والعشيق والجد وجدة. ترسم الكاتبة بشكل مقتضب صورتها بأسلوب تدريجي في سياق الروي إلى جانب تحول بعض الشخصيات من جانب إلى جانب كشخصية «إحسان العابد» الذي يبدا حياته في فرقة ايقاعية، ثم نراه يتحول إلى إمام مسجد ثم يعود إلى حالته السابقة، وهكذا متأثرا بالرقص إن كان الدروشة الذي لجأ إليها هروبا من الشهوة والغريزة والخوف من السقوط في شهوة الجسد بعد موت صديقه أو الرجوع بعد كذلك بإيعاز من الشهوة والغريزة والحب أيضا، إلى جانب مناقشة قضايا مثل الزواج العرفي والطلاق وتأثير كليهما على المجتمع وكل هذا تحاول الرواية إعادة الحديث عنه بإيعاز من الفكرة العامة الرقص الذي يجمع بين رؤية فلسفية وتاريخ إبداعي يعاد ضبطه بشكل مغاير لتحسين الصورة السيئة التي رافقت الرقص بشكل عام.تبدأ الرواية بالسرد المنفرد بالحديث عن حياة غالية العابد وخطيبها سيف وجدها وجدتها وزوج والدتها التي تسكن معه، والتي تكتشف بأنه ليس والدها بعد ذلك، ثم يدخل والدها في سياق السرد من ثم يتوقف السرد هنا لنعود إلى روي قصة والدة غالية المكتوبة في رسائل ومذكرات لابنتها والتي تتبع تلك المذكرات والرسائل، فيبدا السرد ينحو نحو خطاب مختلف ليتغير السارد إلى والدة غالية «سمارة تيمور» لتحكي قصتها، لتقوم الكاتبة بالمزاوجة بين هذه القصة وتلك بشكل متوازي رغم عدم جدية القصة الأولى التي جعلت منها الكاتبة حاضن واطار خارجي لقصة أنثى العابد «سمارة تيمور» وهكذا يظل سجال سردي بين قصتين الاطار قصة غالية والمركز قصة سمارة حتى النهاية، بالنسبة للمكان لقد استطاعت الكاتبة اختيار اماكنها بشكل دقيق قرية السكون، القاهرة، الاسكندرية، المغرب، اماكن ارتكزت عليها الكاتبة لتدور احداث شخصياتها، وقد حضر المكان الديني، المسجد، والحسين، أماكن درستها الكاتبة ببعد معرفي لتاريخ الفن الرقص الشرقي، وبيت الخالدي ومسارح الرقص الفلكلوري. بالنسبة لحضور الشخصيات الرمزية نرى الكاتبة تستجلب شمس التبريزي وجلال الدين الرومي، والنبي محمد والنبي عيسى لتعزز رؤيتها الفلسفية ولتربط العلاقات والتقاطعات بين الشخصيات، والتي كانت مربوطة بشكل جيد من حيث عدم وجود أية فجوة في السرد، فالكاتبة تتبعت كل ثغرات العمل من حيث تتبع دقيق لكل خطوته وقد سار بشكل جميل منضبط ودقيق جدا.كاتب وناقد من اليمن

مشاركة :