القاهرة الخليج: تظل صابية الخيل واحدة من أبرز الألعاب الشعبية التقليدية التي يحرص عليها الكبار والصغار في صعيد مصر، نظراً لما تتميز به من إثارة وقوة، وما تدخله من نشوة في قلوب متابعيها والمشاركين فيها على حد سواء، إذ تعد سوقاً لاستعراض مهارات الخيل والفرسان في العديد من الاحتفالات الشعبية والموسمية في الجنوب، فضلاً عن كونها تمثل إحياء لتراث موغل في القدم، ويضرب بجذوره في تقاليد القبائل العربية التي دخلت إلى مصر من ناحية الجنوب، واستقرت فيها بعد الفتح الإسلامي. تشبه الصابية إلى حد كبير سباقات الخيول المعروفة، لكنها لا تخضع للقوانين والشروط التي تنظم مثل هذه السباقات، إذ يظل الهدف الرئيس من ورائها، استعراض المهارة في ترويض الخيل، وإبراز ملامح الحسن فيها، على إيقاعات موسيقية شجية، تستخدم فيها الربابة والمزمار البلدي المعروف في صعيد مصر، ودائماً ما تلتئم في الاحتفالات الشعبية الخاصة بالموالد، إلى جانب بعض حفلات الأعراس الكبرى. يدخل الفارس إلى حلبة الصابية ممسكاً بلجام فرسه بيد، فيما يمسك بعصا مصنوعة من الزان في اليد الأخرى، ويقدم نفسه أولاً للحاضرين والمشاركين، بدفع فرسه للمشي بخطوات راقصة في دائرة، يطلق عليها المشلاوية، بعد أن يمنح العازفين على الرباب مبلغاً من المال لتحيتهم قبل بدء المنافسة، التي يتسابق فيها مع منافس له في خط سير مستقيم لمسافة لا تزيد على 10 أمتار، من يصل الأول فيها يكون الفائز، ويتم تقديم التحية لحصانه، فالخيل هنا البطل ومعنى السباق ذاته. ويقسم الصعايدة في مصر الخيل إلى قسمين، خيل سعد الذي يجلب السعادة والبركة لمن يقتنيه، ونحس يجلب التعاسة لصاحبه، ويقول أنس عطا الله أحد مروضي الخيول في صعيد مصر: الخيل السعيد يعرف عند شرائه، ويتعين أن تتوافر فيه أربعة شروط لا غنى عنها، يظهر أولها عند فحص اللسان، فإذا وجد الفارس بلحة حمراء تحت لسان الحصان، فإنه يكون من "خيل السعد"، التي غالباً ما تكون قوائمها الثلاثة محجلة بالبياض، بينما القدم الرابعة حمراء في لون الجسم، ويضيف عطا الله: خيل السعد دائماً ما تكون لها علامة مميزة في صدره ما نطلق عليه نخلة الشريحة، وهي مجموعة من الشعر تنبت على هيئة نخلة في صدر الحصان الذي غالباً ما تكون على جبهته غرة بيضاء نطلق عليها السيالة، تبدأ من نصف الجبهة وتنتهي بشفة الفم السفلى. لا يفضل الصعايدة في جنوب مصر الخيل الأسود، حيث يعتبرونه من خيل النحس، الذي ربما يجر صاحبه إلى الفقر، ولأن الخيل معقود بنواصيها الخير، فإنهم يحرصون دائماً على عدم اقتناء ذوات اللون الأسود، اعتقاداً منهم أنها لا تجلب الخير لصاحبها ولا لأهل بيته، لكن خالد أبو غراب أحد فرسان الصابية يقول: سواء كان هذا الكلام صحيحاً أو مجرد أساطير، فإننا هنا لا نفضل هذا اللون في الخيول، التي نعاملها مثل أبنائنا، ونطلق عليها خير الأسماء. لا يعتمد مقتنو الخيول في صعيد مصر، على المروضين المحترفين في ترويض وتربية خيولهم، لكن معظمهم يقوم على ذلك بمفرده وبمساعدة أهل بيته، ويقول علي محمد أحمد، أحد مربي الخيول في قنا: يجب أن يكون المدرب ذا حنكة ودراية، لكننا تعلمنا كثيراً من أسرار هذا العالم من أبنائنا وأجدادنا، ونقوم بتدريب وترويض خيولنا بدءاً من شهور الرهونة وهي الفترة التي تبدأ مع نهايات فترة الرضاعة، التي لا تستمر طويلاً، حتى يشتد عود الحصان وتقوى عضلاته. يحتاج الحصان إلى فترة تدريب لا تزيد على 90 يوماً، يصبح بعدها جاهزاً لخوض تجربة الصابية، التي لا تشترط عمراً محدداً للفارس أو للفرس، إذ يكفي أن يدخل الفارس إلى الصابية ممسكاً بلجام حصانه، ويرفع عصاه عالياً ليختار من يرتضيه للدخول في سباق معه، وهي خطوة لا يملك أي فارس مهما كانت خبرته تجاهلها، لأن رد مثل هذا الطلب يعد إهانة كبرى. رقص إيقاعي يقول أنس عطا الله أحد مربي ومروضي الخيول في الصعيد: الصابية أقرب إلى الرقص الإيقاعي منها إلى سباق الخيول، والفارس الماهر هو الذي يتمكن من إظهار فرسه في أجمل مظهر، وتختلف عن سباقات الطارد والمطرود التي تتميز بالعنف حيث يمسك الفارس فيها بقطعة من جريد النخل، ويسعى طوال السباق إلى إعاقة حركة غريمه، ويصل العنف فيها إلى إسقاط الآخر من فوق الحصان، وتراجعت مثل هذه السباقات كثيراً في الآونة الأخيرة، بسبب ما تتسبب فيه من مشاكل كبرى بين العائلات.
مشاركة :