الموسيقى غذاء الروح، مقولة كبرنا وتربينا عليها، ولكنها في الآونة الأخيرة تعاني تدهوراً وإهمالاً، حيث يجمع عدد من المؤلفين الموسيقيين القابضين على جمرها، على وجود مؤامرة ضدها، دعتهم إلى دق ناقوس الخطر، فقد تراجعت برأيهم الألحان الراقية أمام زحف الغث منها، وأصبح الهاجس الربح المادي فقط، دون الاهتمام بالمضمون، إضافة إلى قلة وجود المسارح المجهزة لعازف منفرد، وإدخال آلات غربية إلى التخت الشرقي، وعدم توعية المجتمع، بدءاً من الطفل، بدور الموسيقى في تهذيب المشاعر، وتعزيز التفاهم تحت مظلة قيم الجمال والانسجام. رقابة غائبة تقول مؤلفة الموسيقي وداد الأورفلي: ما يحزنني، انقراض الموسيقى الراقية، فمع الأسف، العملة الرديئة طردت العملة الجيدة، فاليوم الموهبة لم تعد تكفي للنجاح، وذلك لأسباب عدة، من ضمنها عدم وجود رقابة أو لجنة لاستماع الأصوات، لذلك، نلاحظ أن الأغنية القديمة كانت ثرية، والدليل أنها مستمرة في الوجدان حتى يومنا هذا، أما الآن، فما نسمعه هو أغنيات تجارية، هدفها تحقيق الربح، لذا، قلما تجد أغنية تعيش بين الناس فترة طويلة، فهي كالزبد، تذهب ولا تمكث في قلوب الجماهير. اغتيال الفن يرى المؤلف الموسيقي عمر بشير، أن هناك مؤامرة للقضاء على الموسيقى الراقية، وذلك لأسباب، من بينها إدخال آلات غربية إلى التخت الشرقي، متناسين الآلات الشرقية، مثل العود والناي، في حين أن الفرق السيمفونية الغربية لا تستخدم العود ولا الموسيقى الإلكترونية. ويضيف: نفتقر إلى مسارح خاصة بالموسيقى، توازي بمواصفاتها المسارح الغربية، وإن وجدت، فلا نعثر فيها على أجهزة صوت متطورة، وإن وجدت الأجهزة، فلن نجد كوادر بشرية متخصصة من مهندسي صوت وإضاءة وتقنيين آخرين لتشغيلها. فهؤلاء لا يجدون من يشجعهم على دراسة جادة لهذه التقنيات الحديثة، باخــــتصار، لا يوجد مسرح مجهز لعازف منفرد في الوطن العربي، إضافة إلى عــدم وجود مهرجانات للموسيقى، والاكـــتفاء بمهرجانات للأغنية، مبررين ذلك بأن الجمهور عايز كده، غير مدركين لما يرغب الجمهور في سماعه، فهو يريد الاستماع إلى فن راق. إغفال المؤلف عن الأشياء التي تنقصنا بالعالم العربي حتى نصل بموسيقانا إلى المستوى المطلوب، يقول مؤلف الموسيقى مالك جندلي: توعية الطفل وتنمية موهبة الموسيقى بداخله، وليس كدراسة فقط، شيء مهم، لكي نخلق لديه إمكانية التأليف والابتكار والإبداع والتذوق الموسيقى، كذلك، يجب أن تهتم الأسرة بتنمية مواهب طفلها. فالموسيقى تزرع الرقي بداخل الإنسان، وتعتبر وسيلة تواصل الذهن بالروح في الشخصية الواحدة، وهي أيضاً وسيلة فاعلة، تسهم في تهذيب المشاعر وتعزيز التفاهم تحت مظلة قيم الجمال والانسجام. استخفاف بالعقول يقول المؤلف الموسيقى أسامة الرحباني: للأسف، مستوى الفن حالياً أقل من المقبول، فهناك نوع من الاستخفاف بعقول المستمعين، نظراً إلى حالة الفساد التي تعاني مــنها الساحة الفنية، وذلك يعود لأسباب عدة، من ضمنها كثرة القنوات والفضائيات المهتمة بالملابس والحركات والألوان، وليس بالصوت والقيمة والرسالة، فقد خرجت هذه القنوات على أساس واحد، وهو تحقيق الأرباح المادية، إضافة إلى الوسائل التكنولوجــيا التي تتحكم في صوت الفنان. أصل العالمية يرى مؤلف الموسيقى علاء شاهين، أن المهرجانات اختلفت كثيراً بين اليوم والأمس، ففي الماضي، وعلى حد تعبيره، كان هم العازف الوحيد، هو إظهار أفضل ما عنده بمعزوفات موسيقية راقية، تظل محفورة في التاريخ، أما اليوم، فتغير الوضع، لتطغى المادة على العمل الموسيقي، مؤكداً أن الموسيقى العربية أصل العالمية، لاحتوائها على عمالقة في التلحين، أمثال رياض السنباطي وعبده داغر، إلا أنه لا ينكر وجود اختلاف كبير بين المستمع العربي والغربي.
مشاركة :