راهن الكثيرون على أن مجلس التعاون الخليجي دخل موتاً سريرياً منذ أن حدثت الفرقة، التي نجحت أطراف ثالثة في تأجيجها، فقد عاش أهل الخليج ومواطنوه في ذهول مفاجئ وكبير من حالة الفرقة المفاجئة، التي وجدت طريقها للبيت الخليجي، فلم يكن أمر قطع العلاقات بين بعض دول المجلس أمراً متوقعاً بعد خمس وثلاثين سنة من العمل الخليجي الإقليمي الناجح والمتميز، فعلى الرغم من وجود بعض مواضع الاختلاف بين بعض دول الخليج في القضايا الدولية أو السياسات المحلية، فإن قادة دول مجلس التعاون كانوا دائماً حريصين على التعاضد وعلى الوحدة، فالاختلاف وتنوع الاجتهادات وتباين بعض التوجهات ظواهر صحية، لكن لم تكن لتؤثر على الوحدة أو تمس الود المبني على مصير تاريخي وسياسي وإقليمي واحد وحتمي وديني، وطبيعة شعوبها المنتمية لذات الأسر والأصول، ولا يمكن أن يكون غائباً عن أي دولة من دول مجلس التعاون هذا التميز الطبيعي والسلس. بل كان التعاون الخليجي قد دخل حيزاً جديداً من التكامل بأبعاده المختلفة، فضلاً عن توحيد منظومة الدفاع المشترك وتكوين قوة الردع الخليجية "درع الجزيرة"، إحدى سمات القوة لهذا التعاون الخليجي، الذي تفوق على نماذج عديدة من أطر التعاون العربي، التي لم يكتب لها النجاح، بما فيها التعثر المؤلم لمسيرة جامعة الدول العربية. وها نحن نشهد اليوم عودة لُحمة البيت الخليجي ليلتئم في قمة العلا بالمملكة العربية السعودية، تتويجاً لدور الطرف الواحد الذي تحرك لإصلاح بيته أكثر من كونه وسيطاً أو وساطة بين متنازعين، كما عبر عنها أميرنا الراحل، ومؤكداً أنها إصلاح ذات البين لأهل البيت الواحد، وهو كان مدخلاً ومنطقاً حكيماً قاده أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، وأمسك زمام حبكه وإتمامه سمو الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، وقد تحقق ذلك بتوقيع إعلان العلا، وانعقاد قمته الناجحة. واليوم، فإن دول مجلس التعاون الخليجي وقادتها أمام مسؤوليات جسيمة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الدقيقة لتعزيز قوتها، خصوصاً في ظل تداعيات التوسع الإيراني بأطماعه الاستفزازية وتمدداته التخريبية، وسعيه لامتلاك أسلحة نووية لا تزيد المنطقة إلا توتراً وتعزيزاً لفكرة الصراع الشعبوي والإقليمي المقيت المنطلق من الأطماع لا حسن الجوار. كما يُنتظر من قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن تزيد رعايتهم لشعوبهم وتطوير أحوالهم المعيشية، والعامة، وخصوصاً توسيع مساهمات ودور شعوبهم في إدارة بلدانهم، كل حسب منظومته السياسية. رحمك الله يا صباح الأحمد، على جهودك التي كُللت بالنجاح، وتحية لسمو الأمير الذي واصل جهود تجسير البيت الخليجي حتى نجحت، فلنحقق مقولة "خليجنا واحد ومصيرنا واحد".
مشاركة :