السياحة الفلكية .. حين تمطر السماء ذهبا

  • 1/6/2021
  • 18:23
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من قال إن السماء لا تمطر ذهبا، لم يقرأ قط عن أخبار صيادي النيازك، ولم يسمع بقصص رحل، يجوبون شعاب الفيافي والقفار بحثا عن صخور، يأملون أن تحول حياتهم بين عشية وضحاها من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، نتيجة كرم السماء عليهم بحجر أو صخرة، تتسبب في انقلاب حياتهم رأسا على عقب. يطلق النيزك على ما تبقى من صخرة فضائية، نجت من اختراق الغلاف الجوي للأرض، والسقوط على سطحها، يمكن أن تكون هذه الصخرة الفضائية قطعة من مذنب أو كويكب أو قمر، فالمواد النيزكية تتساقط باستمرار على كوكبنا. تذهب تقديرات العلماء إلى أن الأرض تستقبل يوميا 44 طنا من المواد قادمة من الفضاء، لكن كثيرا منها يحترق في الغلاف الجوي، قبل أن يصل إلى الأرض، وهي التي تسمى بالشهب النارية التي تسطع في السماء خلال الليالي الظلماء. تتفكك معظم النيازك بعد دخولها الغلاف الجوي، وعادة ما يتم رصد عشرات منها سنويا. غالبا، ما تسمى الأحجار النيزكية نسبة إلى الأماكن التي يتم العثور فيها عليها، حيث تكون إما جوار مدينة أو ميزة جغرافية.. وفي الحالات التي يعثر فيها على عديد من النيازك في مكان واحد يتبع الاسم رقم أو حرف. علميا، يقسم العلماء النيازك إلى ثلاثة أنواع رئيسة: النيازك الحجرية، تعد من أكثر الأنواع سقوطا على الأرض، وتحتوي على مجموعة متنوعة من المواد التي تختلف في تركيبتها الكيميائية عن الصخور الموجودة على الأرض. والنيازك الحديدية، نيازك ثقيلة للغاية يعد الحديد مكونها الأساس، إضافة إلى كميات صغيرة من النيكل والكوبالت. ثم النيازك الحجرية الحديدية، وهي نوع نادر جدا من النيازك، حيث لا تتعدى نسبتها 2 في المائة، من إجمالي النيازك فوق سطح الأرض، وتبقى الأكثر جاذبية، لامتزاج الحديد بالجحر فيها. وعمليا، تقدم هذه الأحجار السماوية التي يطاردها الرحل في بقاع الأرض، فوائد جملة للعلماء والخبراء، فهي تختزن أسرارا، تعود إلى ما قبل 4,5 مليار عام، حول تشكل النظام الشمسي، وظروف نشأة الأرض ومكوناتها الجيولوجية، وعمرها التقديري، وتركيبها الكيميائي.. لكن ليست كل الأحجار النيزكية بالأهمية والقيمة ذاتهما، فالأرقام تفيد بأن حجرا واحدا من أصل خمسة يعد ثمينا في هذا المجال. يظهر هذا بوضوح في عالم صيد الحجارة، فهي في البدء والمنتهى مجرد صخور، تبقى قيمتها المادية مرتبطة بتفردها وندرة شكلها. وتفوق أثمنة هذه الصخور الذهب، إذ تراوح قيمتها، في السوق الدولية ما بين 500 وألف دولار للجرام الواحد، وأحيانا أكثر من ذلك بكثير، حسب نوعها وقيمتها العلمية، وعمرها فوق الأرض. وهي بضاعة مطلوبة، خاصة النيازك التي تسقط من كوكب المريخ والقمر، فتبحث عنها معاهد البحوث والمتاحف، إضافة إلى هواة جمع الأحجار الثمينة من الأثرياء. بدأت سوق تجارة النيازك، منذ السبعينيات من القرن الماضي، لكنها تضخمت في الأعوام الأخيرة، مع تزايد الاهتمام باستكشاف الفضاء وتطور التكنولوجيا، بعد أن أدرك العلماء والجامعيون المعلومات الفريدة الكامنة في أنواع معينة من النيازك، ما أدى إلى زيادة الطلب عليها، حتى أضحت سوقها تقدر بملايين الدولارات. انتعشت السياحة الفلكية، بالموازاة مع ازدهار هذه التجارة، بتزايد أعداد المهتمين بصيد النيازك، خاصة في المناطق الصحراوية حيث تسقط نيازك تكتسي أهمية علمية، لأنها لا تتعرض لآثار التلوث المائي، ومحصنة من التفاعلات الكيميائية للتربة، ما يساعد في الحفاظ على مكوناتها الأصلية. لذلك، يتوجه صيادو وهواة جمع النيازك إلى الصحاري بحثا عما قد تجود به السماء من ذهب يفوق سعره ذهب الأرض. اشتهرت الأرجنتين، وتحديدا منطقة كامبو ديل سييلو الواقعة على بعد 600 ميل شمال غرب العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، باكتشاف أضخم نيازك حجما على وجه الأرض، وذلك عام 2016، وأطلق عليه اسم "نيزك جانسيدو" بوزن إجمالي يصل إلى نحو 37 طنا، فيما يزن "نيزك شاكو" أزيد من 31 طنا. ويبقى أكبر نيزك في العالم في دولة ناميبيا في القارة السمراء، ويعرف باسم "هوبا ويست" بوزن يقدر بنحو 60 طنا. ونجد مدينة ألتاي في منطقة سنجان أقصى غرب الصين، أكبر حقل نيازك في العالم، بما قدره 425 كيلو مترا. كل هذا لم يحرم مدينة طاطا المغربية من الاحتفاظ بعاصمة النيازك في العالم، بالنظر إلى العدد الهائل من النيازك التي تسقط فيها سنويا. وتذهب عضوة في الجمعية الدولية لعلوم الأحجار النيزكية إلى أن نصف المنشورات العملية حول الموضوع، على الأقل أحجار نيزكية عثر عليها في المغرب، لا بل إن أغلى حجر نيزكي في العالم، الذي يزن سبعة كليو جرامات سقط في ضواحي هذه المنطقة، في أقصى جنوب المغرب، بلغت قيمة بعض أجزائه ما بين 500 وألف دولار للجرام الواحد. حرصا من الدولة على تنظيم مجال جمع النيازك ومحاصرة العشوائية التي تسود فيه، لما يمثله من مورد رزق لعشرات الآلاف من الأسر المغربية التي تعيش من هذه التجارة، اشترطت الوزارة الوصية على صيادي النيازك والمتاجرين فيها الحصول على رخصة، تمتد خمسة أعوام، لولوج هذا المجال. نظير ذلك، قام المهتمون من جانبهم، بتأسيس "الجمعية المغربية لمهنيي وهواة جمع النيازك". ودخلت الجامعة المغربية بدورها على الخط، حيث عرفت جامعة ابن زهر في أكادير، القريبة من المناطق المشهورة بالنيازك في المغرب "طاطا، أرفود، الصويرة..." بفتح وحدات بحثية في مجال الجيولوجيا، وإقامة متحف جامعي للنيازك في كلية العلوم. تجدر الإشارة إلى أن المنع الذي تمارسه دول الجوار بهذا الخصوص، أفسح المجال أمام ازدهار تجارة النيازك في المغرب، فالجزائر على سبيل المثال تمنع أي تعامل في هذا الشأن، ما يجعل عديدا من القطع المتداولة في الأسواق المغربية، مجرد سلعة مهربة من دول الجوار "الجزائر، مالي، ليبيا..."، لكن هذا لا يؤثر في قيمتها العلمية، فرغم أن المشتري يهتم بمعلومات عن إحداثيات سقوط هذا الحجر، لكن الأهم هو دراسة مصدره الأول، أي الكوكب الذي قدم منه، بمعنى أنه لا تهم الدولة التي تم العثور فيها على النيزك، فالأهم عند العلماء هو الكوكب الذي جاء منه، وليس مكان سقوطه.

مشاركة :