أكد الدكتور عبدالله المغلوث؛ الخبير الاقتصادي السعودي، أنه عند الحديث عن الاستثمار في الثقافة ينصرف الذهن إلى أنماط خاصة من الثقافة ترتبط في الأساس بالسياحة؛ كالتراث المادي للشعوب الذي يستقطب الزوار ويدعوهم للتمتع بتلك الشواهد العينية، ما يجعلهم ينفقون على تلك الزيارة، وهو ما يعود بفوائد مادية على المؤسسات التي تقدم الخدمات المرتبطة بها؛ كمؤسسات السفر والسياحة والفنادق والمؤسسات المالكة للمواقع السياحية والمتاحف التي يتوجه إليها الزوار. وأضاف عبدالله المغلوث؛ في تصريح لـ “رواد الأعمال“، فهذا هو النوع الرائج من الاستثمار الذي يستقطب الممولين بسرعة وبشكلٍ مباشر؛ لأن عائداته واضحة، وهناك أنواع أخرى من الاستثمارات في الثقافة؛ كالنشر وصناعة السينما وتنظيم الحفلات الموسيقية، وأنجزتُ في هذا المجال دراسات عديدة خلصت كل منها إلى أن عائدات هذا النوع من الاستثمار مؤكدة، ويمكن أن يُعتمد عليها في دعم الاقتصاد بكثير من الدول، وثال على ذلك برج إيفل الذي يعادل ثقله الاقتصادي السنوي 1 على 15 من الدخل القومي لفرنسا حسب إحصائيات 2012م؛ فصورته الخارجية وسمعته تسمح باستقطاب أعداد السياح، وما يصرفه هؤلاء أثناء زيارتهم من أكل وشرب ومواصلات ومشتريات، وأعداد العمال الذين يتم تشغيلهم في البرج ومحيطه مباشرة أو بواسطة شركات خارجية، وحتى استغلال اسمه التجاري، كل ذلك يعطيه ثقلًا كبيرًا في الاقتصاد رغم أنه معلم ثقافي في الأساس. واستطرد عبدالله المغلوث: وتماثله حالة متحف «كوكينغام بيلباو» في مدينة بيلباو الإسبانية التي مرت بركود اقتصادي كبير إلى أن تم افتتاح ذلك المتحف؛ حيث ساعد في توفير أكثر من 45 ألف فرصة عمل جديدة في الفترة بين 1997 و2007م، وأنعش المدينة وجعلها إحدى أهم المدن التي تستقطب السياح في إسبانيا، وهذه أيضًا حال كل المدن في العالم التي تعتمد على معالم تراثية أو مهرجانات ثقافية. وتابع عبدالله المغلوث: لكننا حين ننظر إلى كل ذلك سنجده استثمارًا للأثر الناجم عن المنتج الثقافي وليس استثمارًا في الثقافة نفسها؛ بمعنى أن المعالم العمرانية القديمة التي يزورها السياح هي نتيجة أثر لمبدعين بنوها وخططوا لها في الماضي، واستغلالها اليوم هو استغلال لعائدات ذلك الأثر سيذهب على شكل أرباح للقائمين عليه، من دون أن يكون له بالضرورة أثر في الثقافة الراهنة، ومن دون أن يسهم في تطويرها، ومثل ذلك عائدات المتاحف، وكل مخازن التراث، ومثله استثمار الناشر في رواية أو ديوان شعري أو كتاب ثقافي، وليس عيبًا أن تُستغل تلك الآثار من أجل الحصول على ربح، وهو أمر مطلوب على المستوى العام والخاص؛ لكنّ هذا الاستغلال هو عملية مادية بحتة، قد لا تقدم شيئًا للثقافة، وربما تكون بشعة إذا تُركت لأهواء الممولين النهمين للربح يستغلونها كيفما يرغبون، وهذا يحتم على القائمين على الثقافة تحديد الأهداف من عبارة «الاستثمار في الثقافة». وقال عبدالله المغلوث: إن الاستثمار في الثقافة ليس استثمارًا في الأثر الناجم عنها؛ لكنه استثمار في المؤثر الذي أنتجها، وذلك بإقامة مشاريع وبرامج لتحفيز الإبداع ورعاية الموهوبين، وتسهيل فرص النجاح لهم، وتنمية وعي المجتمع بقيمة الثقافة، وضرورة التعاطي معها، وترويج عادة المطالعة التي هي أحد أنجع السبل لنمو الثقافة، وهذه العملية في الأغلب لا تقدم ربحًا للقائمين عليها، لأنه لا مردود مادي لها، فهي بذل بدون مقابل أو بالأحرى بمقابل معنوي هو نقل المجتمع من الجهل إلى المعرفة، ومن الفقر في الإبداع والإنتاج الثقافي إلى حالة من الحركية الإبداعية الدائمة، وهذا مشروع لا تضطلع به مؤسسات عامة أو أهلية تقدم خدمات مجانية؛ لأن المستثمر الخاص لن يكون مستعدًا للإنفاق على مدرسة للفنون التشكيلية أو معهد للمسرح أو محترفات للتدريب على الإبداع الروائي والشعري، أو الإنفاق على نشر تشجيعي لمؤلفات كتّاب غير معروفين من أجل إيصال كتبهم إلى القارئ، أو دفع منح تفرغ لكتّاب وباحثين من أجل إنجاز مشروع إبداعي أو بحثي مهم، وحتى ولو قام المستثمر بشيء من هذا القبيل، فإنه سيظل محدودًا وفي إطار ما يعرف بالخدمة المجتمعية التي هي شيء ثانوي ومحدود بالنسبة إلى المؤسسات الربحية. وأضاف عبدالله المغلوث: فالاستثمار في الثقافة هو استثمار في الأشخاص المنتجين لها، وفي المجتمع المستهلك لها، ولم يحدث أن قامت نهضة ثقافية في أي مجتمع إلا بعد أن توفر لها بشكل أو بآخر ذلك النوع من الاستثمار الذي يعطي ولا يأخذ، وينفق ولا يربح. اقرأ أيضًا: الاستثمار في الثقافة الاستثمار في التعليم الإلكتروني د.عبدالله المغلوث: الإصلاحات الاقتصادية الحالية نقطة تحول تاريخية
مشاركة :