أفتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الثلاثاء الماضي أعمال الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس دول التعاون وذلك في مبنى المرايا بمحافظة العلا وذلك بحضور أشقائه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وتتميز محافظة العلا، الواقعة شمال غرب المملكة العربية السعودية، بمناظر طبيعية خلابة ومجموعة من المواقع الأثرية البارزة، وتشهد المحافظة حالياً أعمالاً تطويرية تهدف إلى تعزيز مكانتها كإحدى الوجهات السياحية الأثرية والثقافية والطبيعية العالمية الرائدة. الموقع والأهمية التاريخية العلا هي إحدى محافظات منطقة المدينة المنورة التي تبعد عنها باتجاه الشمال 300 كم، وتقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة، وتشغل مساحة طولية تصل إلى 25 كم، وعرضها ما بين 3 إلى 5 كم، وتتمتع بموقع جغرافي تميز عن غيره من المواقع بتشكيلاته الجبلية المتنوعة وكثبانه الرملية الذهبية. ويستقبل الزائر للعلا نسمة هواء نقيّة تنشر العليل في المكان لتبهج النفس التواقة للراحة خاصة في ليلها الهادئ الذي كلما زادت عتمته أضحت السماء قطعة من النجوم المتلألئة، بينما تجتمع في الوادي نخيل باسقات ارتوت بماء العلا العذب المتدفق من عيونها الجوفية. وعرفت “العلا” قبل الإسلام باسم (دادان) وورد ذلك في كُتب الآشوريين، والكتب العربية القديمة، وعرفت كذلك بمسمى “وادي القرى” لكن اسمها ارتبط عند العامة بإرث حضارة الأنباط الذين بنوا مدائن صالح على بُعد 22 كم عن العلا . وتشير العديد من الدراسات التاريخية إلى أن العلا زارها رحالة مسلمون خلال رحلتهم إلى الحج، ومنهم: ابن بطوطة سنة 726هـ، وعبدالقادر الجزيري الأنصاري سنة 961هـ، كما زارها مجموعة من المستكشفين الغربيين خلال زيارتهم للجزيرة العربية في أعوام 1880م، 1903م، 1907م، 1909م، 1910م، و1964م، وأعد الرحالة الإنجليزي ج كوك دراسة عام 1903م عن العلا بعنوان ( الكتابات السامية الشمالية) وهي دلالة واضحة على اهتمام الغرب منذ القدم بدراسة التراث القديم الممتد من الشام إلى الجزيرة العربية، واهتمت دارة الملك عبدالعزيز بترجمة معظمها إلى اللغة العربية. واحتل موقع “الحِجر” مكاناً استراتيجياً على طريق التجارة القديم (طريق البخور) الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها وبالمراكز الحضارية في بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، وسكنه قوم ثمود، ثم “الأنباط” من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي، وفقاً لما ذكرته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في تقرير لها. ولم تكمن أهمية محافظة العلا في وجود مدائن صالح وحسب، بل في القرية التراثية التي يوجد فيها مسجد بناه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وخط محرابه بعظم، فأطلق عليه مسجد “العظام”، ويحيط بالقرية من ثلاثة اتجاهات عدد من الحقول، ومزارع النخيل، والحمضيات، والفواكه، كما تميزت أرض العلا بتربة خصبة صالحة للزراعة، ووفرة كبيرة من المياه العذبة التي تنبع من 35 عيناً جوفية. ويحرص زوار العلا على زيارة مواقع أثرية فيها لها قيمتها التاريخية في الإسلام وفيها تجتمع لحظات التأمل والتدبر عند مشاهدة: مدائن صالح، والخريبة الأثري، وجبل عكمة الأثري، ومداخيل البرية، والمعتدل الصحراوية، بالإضافة إلى نقش زهير التاريخي، والبلدة التراثية، ومطل حرة عويرض، وجبل الفيل. شتاء طنطورة يبهر العالم فتحت منطقة العلا صفحات التاريخ من جديد لتبهر زوارها بما تمتلك المنطقة من قيمة تاريخية، فما أن تبدي لك المدينة معالمها الثرية بالتاريخ إلا وتكتشف بين كثبانها وجلاميدها روائع طبيعية فريدة في شكلها وتنوعها قلما تشاهدها في المواقع السياحية العالمية. ولما كانت العلا في سالف العصر جسراً حضارياً بين الشرق والغرب بوصفها إحدى محطات طريق البخور، وملتقى للحوار الثقافي والحضاري سعت الهيئة الملكية للعلا لتجسيد قيم التنوع بإبرازها اليوم من خلال المهرجان العالمي (شتاء طنطورة) الذي يسلط الضوء على الفنون والثقافة والتاريخ والتراث في محافظة العلا، ومكنت عبر فعالياتها السياح والزوار من مختلف دول العالم الاستمتاع بالعروض الفنية والثقافية والمغامرات، دعمت ذلك الخطوات التي انتهجتها المملكة مؤخراً لدعم السياحة واستقبال السياح عالمياً، منها إطلاق التأشيرة السياحية الإلكترونية، وخدمة الحجز وتحديد مدة الرحلة السياحية عبر رابط إلكتروني. وعلى امتداد مساحة العلا اكتسبت تميزاً نوعياً في انتشار الآثار والمواقع التاريخية والبساتين والقرى الأثرية، وتوزعت وفق مخطط هندسي طبيعي أذهل من يزورها برغم حداثة برنامج العمل السياحي الذي تقوده الهيئة الملكية للعلا. واستطاعت المملكة أن تكشف عن كنوز العلا للزوار والسياح عبر برامج تسويقية مختلفة عززت من حضوره على مختلف الأصعدة، شملت بذلك المؤتمرات والملتقيات والمنتديات العالمية؛ لتصبح العلا اليوم أحد أهم الوجهات العالمية المسجلة بمنظمة اليونيسكو. لم يقف الأمر عند الجانب التاريخي لعاصمة الأنباط الثانية قديماً، بل باتت اليوم تسجل رقماً قياسياً في حماية معالمها البيئية وتطويرها عبر مبادرة حماية “النمور العربية”، التي أطلقتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا، ومشاريع عدة، تعمل على دعم الحفاظ على هذه الأنواع المهددة بالانقراض، بما في ذلك برنامج مكثف للتربية وإعادة الإكثار، إضافة إلى إنشاء الصندوق العالمي لحماية “النمر العربي” كمنصة فعالة للعديد من المبادرات المستقبلية. وعملت الهيئة الملكية لمحافظة العلا منذ تأسيسها على دراسة شاملة لتأهيل وتطوير المنطقة وآثارها بما يحقق للسائح والزائر أرقى الخدمات إلى جانب الحفاظ على ما تكتنزه المدينة من جمال في الطبيعة وبدون أي تغيير يمكن أن يؤثر على الطبيعة. وجلبت الهيئة لمحافظة العلا عدداً من المطاعم والنزل العالمية بين أوديتها وجبالها، صممت وفق أحدث المقاييس الهندسية مع الحفاظ على أدق تفاصيل الطبيعة الخلابة، إلى جانب تطوير وتدريب أبناء وبنات المحافظة للقيام بمهام الخدمات والإرشاد السياحي، شملت الطبخ والفندقة والسياحة في أكبر وأهم المعاهد العالمية عبر برامج ابتعاث بادرت بها الهيئة. وتتجه العلا إلى أن تستقطب أكثر من مليوني زائر بحلول عام 2035، عبر تطوير محافظة العلا لوجهة تراثية وثقافية وسياحية عالمية استثنائية، وتعزيز قدرة المطار على استقبال الرحلات الدولية المباشرة من مختلف الوجهات الإقليمية والدولية إليها. كما تعمل الهيئة على تطوير ثلاثة منتجعات سياحية في العلا تحمل علامة “أمان” ستُبنى بحلول عام 2023 بما يعزز مستوى الخدمات السياحية في المحافظة. مهرجان العلا للتمور أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن انطلاق مهرجان العلا للتمور في يوم 15 صفر 1442، الموافق 2 أكتوبر 2020، وذلك في منطقة “الفرسان” المقابلة لصخرة الفيل، بالتعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، ومحافظة العلا، والمركز الوطني للنخيل والتمور، وكذلك بلدية العلا. كما يشارك في المهرجان البريد السعودي، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، وهيئة الغذاء والدواء. ويمتد المهرجان لثلاثة أسابيع، حيث سيقام أيام الجمعة والسبت من كل أسبوع، حيث تخصص الفترة الصباحية للمزاد التجاري، من الساعة السادسة صباحاً وحتى التاسعة صباحاً، وتخصص الفترة المسائية لسوق التمور، وذلك من الخامسة عصراً حتى التاسعة مساءً، حيث سيضم السوق فعاليات متعددة من ضمنها الأسر المنتجة للحرف اليدوية ذات العلاقة بالنخيل، والطهاة الذين سيقدمون وجبات يدخل التمر ضمن مقاديرها، كما سيتم الإعلان عن عدة فعاليات مصاحبة لاحقاً. يمثل المهرجان فرصة لجميع مزارعي النخيل في العلا الذين يملكون رخصة زراعية سارية المفعول، وذلك لتسويق منتجات التمور المميزة والمتنوعة التي تحظى بها المحافظة، كما يشكل النخيل جزءاً مهماً من تراث العلا في مملكتي دادان ولحيان منذ الألفية الأولى قبل الميلاد، كما كشفت الحفريات الأخيرة في المدافن النبطية الحِجر عن قلادات مصنوعة من التمر، مما يُؤكّد على أهمية دور النخيل عبر الحضارات. وتحتوي العلا على أكثر من 2 مليون نخلة في المحافظة، يتجاوز إنتاجها 90,000 طن من التمور سنوياً، ويعد البرني هو أكثر أنواع التمور شيوعاً ويشكل أكثر من 80 ٪ من تمور العلا، ويمتلك البرني ميزة فريدة حيث يمكنك العثور على 3 أنواع من تمور البرني على نفس النخلة مثل المبروم والمشروك والعادي، وتعد زراعة وبيع التمور رافداً هاماً لاقتصاد العلا. كما أن العلا تحتضن كافة أنواع التمور المعروفة حول المملكة، وهناك أنواع مميزة مثل الحلوة، والتي تتميز بلونيها الأسود والأحمر، ومن الطرق التقليدية لتخزين تمر الحلوة لدى أهالي العلا، وضعها في قرب مصنوعة من جلود الحيوانات، وتضغط حتى يتم التأكد من خلوها من الهواء، وهذا الأسلوب يسمى “الشنة”، وتعد تمور العلا من أكثر التمور طلباً في الأسواق العالمية، وقد شهدت الأعوام الماضية تزايداً مضطرداً في الطلب على أغلب أنواع تمور المحافظة. مشاريع ريادية أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن توقيعها خطة عمل مشتركة مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت”، بهدف تطوير منظومة ريادة الأعمال في العلا، وتمكين نجاح المنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال تزويدهم بالمعرفة والمهارات، وتعزيز روح ريادة الأعمال في المحافظة، مما يسهم في تطوير اقتصاد ثري ومتنوع في العلا. وتستهدف خطة العمل إنشاء مساحة عمل مشتركة لتفعيل حاضنة الأعمال للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بحيث تقدم عدة خدمات لرواد الأعمال من ضمنها برامج ذات القيمة المضافة للبيئة الاقتصادية للعلا كبرامج حاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال في قطاعات حيوية كالسياحة والزراعة، وذلك إما بشكل تقليدي مباشر أو عبر القنوات الافتراضية الرقمية، بالإضافة لتقديم خدمات استشارية متخصصة في عدة مجالات، لنقل الخبرات للشركات الناشئة في العلا.
مشاركة :