رئيس مجمع الشارقة للآداب والفنون هشام المظلوم، لا يختلف كثيراً في إشراقته وتفاؤله الحاضر في كل الأوقات، عن منارة إمارة الشارقة وصرحها الشامخ، إذ ترعرع بين ثناياها منذ سنوات صباه الأولى؛ لذا نراه يعمل بجد وحرص ليسمو بسمو المجمع والمدينة ككل، ويسعى بكل ما أوتي من قوة وخبرة، إلى أن يشرف على استراتيجيته ويُعدلها لكي لا تشوبها ثغرة غائرة، لطالما وضع نصبَ عينيه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، منذ أن وطأت قدماه ميدان العمل في عام 1985، وحتى يومنا هذا، السطور التالية تعرفنا أكثر عنه عبر الحوار التالي: } نشأتك والبيئة التي احتضنتك عاصرت طفولتي فترة مهمة من حياة الشارقة، حيث عشت التحول التاريخي للإمارة المتمثل باتحاد الإمارات، وهذا الحدث الكبير كان له الأثر العميق في دواخلي كغيري من أبناء جيلي، فكان التباين واضحاً بين ما قبل الدولة وبعدها، وفي حينها كنت أقطن حي الشويهين في قلب الشارقة، والذي ولِدتُ في إحدى بيوته المعروفة، وهو بيت السركال، الذي كان، على ما أذكر من روايات الأهل، مقارباً للمشفى، والحي الذي ذكرته من الأحياء العريقة والقديمة للمدينة، وكنا نعيش فيه طفولة هادئة وسط منظومة تغلب عليها علاقات أسرية واجتماعية دافئة، وفيه بدأت وتتابعت مراحل دراستي بين الستينات والسبعينات، ثم بدأت مرحلة الدراسة الجامعية، فتخصصت بالإعلام والإدارة في جامعة الإمارات، حتى تخرجت منها عام 1985، ولن أنس روعة وحيوية الفترة التي تشرفت فيها بكوني لاعب تنس الطاولة في منتخب الدولة، حتى عام 1981، فكانت هذه اللعبة شغفي في تلك المرحلة من حياتي، وتنعش اليوم أحداثها ذاكرتي بالبطولات المحلية والدولية، التي كنت أشارك بها، وعقب تخرجي من الجامعة، عدت للحي ذاته الذي ترعرعت فيه، لأعمل في متحفه لعقد من الزمن. }ما هي أهم المحطات في حياتك المهنية؟ هناك محطات عديدة ملهمة ومؤثرة في حياتي المهنية، وكانت بدايتي مع العمل الوظيفي عقب التخرج من الجامعة مباشرة (وبتوفيق من الله عز وجل)، فبين عامي 1985 و1995 تم تعييني مساعداً للمشرف الثقافي والفني بدائرة الثقافة والإعلام، وكانت تلك المرحلة ثريّة بكل ما تعنيه الكلمة، إذ شهدت ولادة بينالي الشارقة عام 1993، وتأسيس إدارة الفنون في الدائرة عام 1995، ومنذ بداية عملي المهني لمست احتضان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للثقافة والفنون لينعكس ذلك وبشكل رائع وملفت على سوية الأداء والنتائج؛ محاولين قدر الإمكان استيعاب توجيهاته وتطلعاته، وتخلل هذه المرحلة إحداث مراكز ثقافة الطفل، الذي شاركت بتأسيسه وأشرفت عليه بين عامي 1986 و1987، كما عملت خلال هذه الفترة في المرحلة التأسيسية لتلفزيون الشارقة من هوية بصرية وشعار، وفي تأسيس إدارة الفنون في الدائرة عام 1995 توليت إدارتها حتى نهاية عام 2014، وكان مقر الدائرة حينها في المبنى القديم لمتحف الشارقة للفنون بيت السركال، الذي تم تأسيسه في ذات العام، وهو أول متحف متخصص للفنون على مستوى الخليج العربي، وبقيت فيه عامين، حيث تم في 1997 تدشين المبنى الجديد للمتحف في الحي عينه، وخلال هذه المرحلة تم تأسيس معهد الشارقة للفنون، ورواق الشارقة، وإطلاق فعاليات المرئي والمسموع، التي تطورت فيما بعد لتصبح مهرجان الفنون الإسلامية الحالي، ومركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة الإسلامية، ثم مركزي دبا الحصن وكلباء للفنون، ليكملا ما بدأه مركز خورفكان للفنون من برامج في الشارقة، والذي سبقهما في الإحداث، إضافة إلى المركز العربي للفنون، وبيوت الخطاطين، وفي عام 2004 انطلقت فعاليات ملتقى الشارقة للخط، وجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي في عام 2008، ومهرجان الفنون الإسلامية عام 2009، ثم مركز الذيد للفنون؛ ليغطي خدمات المنطقة الوسطى من برامج فنية، ومركز الحمرية للفنون، وبرنامج كتاتيب. وأخيراً في ديسمبر/كانون الأول 2014، تأسس مجمع الشارقة للآداب والفنون بمرسوم أميري، وتم تعييني رئيساً له، ليكون باكورة أعماله إحداث مركز المدام في المنطقة الوسطى، وهو يواصل تنظيم الفعاليات التي ذكرتها عقب تأسيس إدارة الفنون. } كيف أثر تكليفك برئاسة مجمع الشارقة للآداب والفنون على شخصيتك؟ وضعني أمام مسؤولية وطنية كبيرة، فعليّ المحافظة على النجاحات التي حققتها إدارة الفنون، بل ودفع الفعاليات والبرامج بمشاركة زملائي في المجمع إلى مزيد من النجاح والآفاق الجديدة، من خلال تطويرها وما يمكن إضافته من قيم إليها، ورفد نشاط المجمع بمشاريع وليدة جديدة ومعاصرة، تعزز مكانة الشارقة المتألقة في الفنون البصرية والآداب، ولهذا فإن الأثر عميق في شخصيتي، وفيه مزيد من التحدي والإصرار والرضى والتطلع لآفاق جديدة، والأهم من ذلك، المطالبة الدؤوبة لنفسي بمزيد من الجهد والمثابرة والتخيّل. } ما رؤيتكم التي تحدد استراتيجية عمل مجمع الشارقة للآداب والفنون؟ أمام المجمع تحديات كبيرة، حيث يعول عليه، فيما يخص الآداب والفنون، وبالطبع يتضمن فعاليات مهمة ذات طابع دولي؛ كملتقى الشارقة للخط، ومهرجان الفنون الإسلامية، وجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، وصيف الفنون، وهناك العديد من البرامج التعليمية والمجتمعية والنوعية وغيرها، والأمل، بعون الله، في مشاريع نوعية مقبلة محط دراسة وبحث في الوقت الراهن، ولكل من هذه الفعاليات أهدافه ورسائله وتوجهاته ضمن الاستراتيجية، التي يسير وفقها عمل وأداء المجمع بكل مكوناته، من عناصر بشرية ورؤية وبنى تحتية وإمكانات فكرية ونظرية وتطبيقية وغيرها، وإن رؤيتنا جزء من رؤية الشارقة الحضارية، وعلينا الانسجام مع هذه الرؤية بأن نعمل بكل طاقتنا؛ للارتقاء بالذائقة الجمالية للمجتمع، ونشر الثقافة البصرية على نطاق واسع، وتعزيز حيوية الحراك التشكيلي ودفعه لآفاق جديدة، ومواصلة الانفتاح على النشاط الدولي للفنون البصرية، واجتذاب التجارب الفنية العالمية، ومتابعة أحدث التيارات والاتجاهات، وتقديم الفن البصري المحلي بصورته الواقعية للعالم؛ بشكل يواكب زمن الإنجاز، ويغطي كل التجارب الإبداعية، ويحافظ على التراث الفني المحلي والعربي، ويحمي الفنون الإسلامية وبالوقت ذاته يكشف عن جمالياتها ويعمل على دعم وتطوير المعاصر منها، والإضاءة على التشكيل العربي ودعمه، وإحداث حراك نقدي تشكيلي، والكشف عن الطاقات النقدية الإبداعية الممكنة للأجيال الجديدة محلياً وعربياً، ودعم المكتبة العربية بالأبحاث النقدية المطبوعة، والتركيز على الروابط بين الآداب والفنون، وتعميق الوعي تجاه صنوف الآداب وتقديمها بشكل معاصر ينسجم والزمن الراهن. من جانب آخر تطبيقي، نعمل على تأهيل ودعم المواهب المحلية الناشئة بالبرامج التعليمية؛ النظرية والعملية، ونسعى إلى تغطية كل الامتداد الجغرافي للشارقة؛ كي يتم الوصول إلى كل أفراد المجتمع للوقوف عند احتياجاتهم من الفنون البصرية، ودعم مواهبهم وأفكارهم، والخوض في كل التخصصات في الفنون البصرية. وبات من المُلاحظ أننا في الفعاليات المنبثقة من المجمع، نحدد عناوين عريضة ومعينة لكل دورة من فعالياتنا، بغيةَ فتح آفاق أكثر حيوية، من حيث المنافسة والمقارنة والمعيارية والتقييم، ويكون التحريض أمراً واقعاً، لاستنهاض الأفكار الخلّاقة لدى كل من يشارك في الفعاليات من فنانين وخطاطين. } بما أننا نتابع اليوم صيف الفنون بدورته الحاليّة، فما أهدافكم فيه لهذا العام؟ منذ إطلاق صيف الفنون عام 2010، تطلعنا إلى مزيد من التواصل عبر الفن مع أبنائنا من الجيل الجديد، من الأطفال والناشئة، ومن في المراحل الدراسية الثانوية، بل وحتى طلاب الجامعات من الشباب، وإغناء فترة عطلاتهم الصيفية في الشهرين السابع والثامن من كل عام؛ باعتماد آليات معاصرة من الترفيه، وفي كل مرة نختار موضوعاً معيناً لدورة صيف الفنون يُطرح عبره قضايا مهمة أمام أبنائنا، من شأنها أن تُثري معرفتهم وثقافتهم البصرية، وتعزز ما لديهم من إلمام بحقيقة ما، وموضوع الدورة الحاليّة إعادة التدوير؛ لتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة، نحو مزيد من الجمال والصحة العامة والتنمية المستدامة للمجال الحيوي الطبيعي. تعاون عن الأعمال المشتركة التي يشاركها المجمع مع المؤسسات الرسمية الحكومية الأخرى يقول هشام المظلوم : هذا جزء من استراتيجية العمل الحكومي في الشارقة الذي عزز أسسه صاحب السمو حاكم الشارقة، رعاه الله، وهو أن التعاون رفيق درب في عمل إدارة الفنون ومجمع الشارقة للآداب والفنون، وفي معظم فعالياتنا نحاول التعاون مع الجهات الأخرى ، فمرة نكون مبادرين، وأخرى متجاوبين ومرحبين بالمبادرات المطروحة علينا، والنجاح حليف دائم لهذا التعاون، وحاولنا وحققنا نتائج مهمة على الصعيد الوطني في مسألة ولادة ودعم جمعيات فنية عديدة، وكنا داعمين ومتعاونين مع كلية الفنون الجميلة والتصميم في جامعة الشارقة، وسنسعى دائماً لكل أشكال التعاون.
مشاركة :