منذ صدع الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله. خصوم الإسلام لم يتوقفوا يوماً عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وتشويه صورته، وصرف الناس عنه. افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف جهلاً شديداً بتعاليم الإسلام السامية، وقيمه الفاضلة، وغاياته النبيلة. كما تكشف عن حقد دفين يستهدف الإساءة للدين وأهله، الأمر الذي يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم، وكشف زيفها. من تلك الشبهات والمزاعم الادعاء بعدم صحة السنة النبوية، وكذلك الادعاء بجواز الاستغناء عنها والاكتفاء بما جاء في القرآن الكريم، ولم تتوقف المزاعم عند هذا الحد، فهناك من المستشرقين من يصف السنة النبوية بأنها من اختراع المسلمين في العصور الأولى للإسلام، بينما يذهب آخرون إلى الادعاء بأن بعض الأحاديث النبوية متناقضة. فما حقائق الإسلام التي تدحض تلك الشبهات، وتسقط تلك المزاعم، وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟ يتصدى المفكر الإسلامي الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء لهذه الشبهة قائلاً: السنة النبوية هي المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن الكريم. والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور في القرآن الكريم بتبليغ ما أنزل الله عزّ وجلّ إليه من الوحي القرآني، وهو في الوقت نفسه مأمور بتبيين الوحي القرآني، وهذا التبيين هو السنة النبوية التي تشمل قوله صلى الله عليه وسلم، أو فعله، أو ما أقره. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إلى ضرورة التمسك بسنته في قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته المشهورة في حجة الوداع: تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي. تدقيق ليس له مثيل إن علماء المسلمين في مختلف العصور لم يفرطوا إطلاقاً في ضرورة التدقيق الذي لا حد له في رواية الأحاديث النبوية. وقد وضع القرآن الكريم أمامهم أهم قاعدة من قواعد النقل التاريخي في قوله سبحانه تعالى: يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.. (سورة الحجرات: 6) وتتمثل هذه القاعدة المهمة في أن أخلاق الراوي تعدّ عاملاً مهماً في الحكم على روايته. وقد أفاد المسلمون إفادة عظيمة من هذه القاعدة، وطبقوها على رواة الأحاديث النبوية وكان تطبيق هذا المبدأ النقدي على رواة الأحاديث هو الذي تطورت عنه بالتدريج قواعد النقل التاريخي. ويشير الدكتور زقزوق إلى أنه نظراً لأهمية السنة النبوية الشريفة بالنسبة للإسلام فقد بذل علماء المسلمين جهوداً خارقة لتوثيقها، وتمييز الثابت منها من غير الثابت، وأنشؤوا علوماً جديدة في الحديث النبوي لخدمة هذا الغرض، فهناك علم الرجال، وعلم الإسناد، وعلم الجرح والتعديل، وغيرها. وكلها تتتبع رواة الأحاديث وتدرس أحوالهم، وما ظهر من أمرهم وما خفي للتأكد من مدى صدقهم فيما نقلوه عن الرسول، وخاصة أن النبي نفسه قد حذر من الكذب عليه حين قال: من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. ويوضح وزير الأوقاف المصري الأسبق أنه بعد الجهود المضنية لعلماء الحديث في سبيل توثيق الأحاديث النبوية اعتمد المسلمون ستة كتب في هذا المجال هي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن كل من النسائي، وأبي داوود، والترمذي، وابن ماجه. وهناك مؤلفات إسلامية عديدة أشارت إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يصل عددها إلى عشرات الآلاف. ومن ذلك يتضح أن علماء المسلمين قد خدموا السنة النبوية الشريفة بما لا نظير له لدى الأمم الأخرى، وأن الشك فيها جملة وتفصيلاً أمر لا مبرر له. دحض الأكاذيب وفي دحضه لشبهة وجود تعارض بين بعض الأحاديث يبرز الدكتور زقزوق عدة حقائق مهمة، منها: القرآن الكريم أكد في مواضع عديدة ضرورة الأخذ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.. (سورة الحشر: 7).. وقوله تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (سورة النساء: 80). وقد اشتملت الأحاديث النبوية على ما أتانا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما نهانا عنه. ومن هنا فالسنة النبوية الشريفة ضرورية لا نستطيع أن نتخلى عنها وإلا كنا مخالفين للقرآن الكريم نفسه. ليست هناك مشكلة في تمييز الأحاديث الصحيحة من غير الصحيحة، فهذا أمر قد بذل فيه علماء المسلمين جهوداً خارقة منذ قرون. والسنة لا يمكن الاستغناء عنها لأنها الأصل الثاني للإسلام، ولا يجوز التخلي عن هذا الأصل بسبب توهم وجود تعارض في بعض الأحاديث النبوية. فهذا التعارض غير حقيقي، ويمكن بيان وجه الصواب فيه بالتأكد من صدق الروايات بناءً على القواعد العلمية الدقيقة التي وضعها علماء الحديث في هذا الشأن. السنة النبوية شارحة لما أتى مجملاً في القرآن الكريم فكيف يمكن التخلي عنها بناءً على أسباب متوهمة. إننا نحن المسلمين نؤدي صلاتنا يومياً بالطريقة التي أوضحتها لنا السنة النبوية، وهذا التفصيل الوارد في السنة بشأن الصلاة كما نؤديها لم يرد في القرآن الكريم. وهناك أمثلة كثيرة مشابهة.
مشاركة :