واصل النفط الخام مسيرته نحو الارتفاع وتعويض خسائره السابقة بعد أجواء إيجابية سادت الاقتصاد الدولي بعد ارتفاع أسواق الأسهم في آسيا خاصة في اليابان التي تعافت من مؤشرات سلبية في البورصة والركود الاقتصادي فيما حققت الأسهم الأمريكية أيضا مكاسب قياسية. ودعم اتجاه النفط الخام نحو التعافي إصلاحات وقرارات اقتصادية حاسمة في الصين تم من خلالها دعم النمو الاقتصادي ووقف خسائر البورصة وتمثلت تلك الإجراءات في خفض الفائدة وتقليص الاحتياطي الإلزامي للبنوك الأمر الذي مثل دفعة جيدة لإنعاش اقتصاد الصين ومساعدته على تجاوز تداعيات الأزمة السابقة. وتلقى النفط الخام الدعم الأكبر من انخفاض ملحوظ في مستويات المخزونات النفطية الأمريكية وهو ما جدد الآمال في تعافي مستويات الطلب العالمي على النفط وتسارع معدلات نموه خلال فترة وجيزة. وبحسب "رويترز"، فقد قفزت أسعار النفط أكثر من 4.5 في المائة أمس بعد تراجع مفاجئ في مخزونات الخام الأمريكية وموجة صعود في أسواق الأسهم العالمية لكن التوقعات مازالت غير واضحة بسبب المخاوف المتعلقة بالاقتصاد الصيني وتخمة المعروض العالمي. وصعدت الأسهم العالمية مع انتعاش الأسهم الصينية بدعم الآمال أن تؤتي الإجراءات التي أخذتها الحكومة لتحفيز الاقتصاد ثمارها، بينما صعد الدولار أيضا في ظل انحسار العزوف عن المخاطرة. وارتفعت أسواق النفط من أدنى مستوياتها في ست سنوات ونصف السنة الذي بلغته في وقت سابق هذا الأسبوع لكن المستثمرين ما زالوا قلقين من التخمة الكبيرة في معروض الوقود التي تضغط على أسعار النفط الفورية وتعزز المخزونات العالمية. وارتفع سعر أقرب استحقاق لخام برنت 1.90 دولار إلى 45.04 دولار للبرميل، وزاد الخام الأمريكي 1.80 دولار ليسجل 40.40 دولار للبرميل. ووجدت أسعار النفط دعما في بيانات أظهرت هبوط مخزونات الخام الأمريكية 5.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 21 آب (أغسطس) مسجلة أكبر انخفاض في أسبوع واحد منذ أوائل حزيران (يونيو)، وكان مختصون قد توقعوا ارتفاع المخزونات بمقدار مليون برميل. وأوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن تعافي أسواق النفط ما زال بطيئا ولكن التعافي والتوازن الكامل قادم في السنوات المقبلة بتأثير من نمو الطلب العالمي خاصة في الاقتصاديات الناشئة والصاعدة والدول النامية في القارة الآسيوية. وأضاف ديبيش أنه من الطبيعي أن يلجأ المنتجون في المرحلة الراهنة إلى تقليص الميزانيات وخفض الإنفاق الرأسمالي وتأجيل بعض المشروعات مشيرا إلى أن الخسائر كانت فادحة لبعض المنتجين جراء الانخفاض الحاد في عوائد النفط الذي أربك ميزانيات بعض الدول التي تعتمد بشكل أكبر على مبيعات النفط الخام. وأوضح ديبيش أن المرحلة الحالية تتطلب ترشيد الإنفاق وتنويع موارد الطاقة لافتاً إلى أن وفرة المعروض النفطي لن يستمر طويلا خاصة في حالة تعافي كثير من اقتصاديات دول الاستهلاك الكبرى وتسارع برامج النمو في الدول النامية موضحا أن الصين واليابان عالجتا بشكل سريع مشكلة الركود والتباطؤ الاقتصادي كما أن انخفاض المخزونات الأمريكية يعد مؤشرا قويا على تعافي الطلب. من جانبه، يرى أرجيال المختص النفطي في مؤسسة "ست " السويسرية للطاقة، أن اجتماع وزراء أوبك في كانون الأول (ديسمبر) المقبل سيكون اجتماعا صعبا في ضوء الانخفاضات الحادة للأسعار ورغبة عدد من الدول الأعضاء وفي مقدمتها فنزويلا والجزائر وأنجولا في خفض الإنتاج دعما للأسعار. وأشار أرجيال إلى وجود حالة من التسابق والتنافس الشديد داخل دول منظمة أوبك لزيادة الصادرات خاصة مع قرب عودة الصادرات الإيرانية النفطية للأسواق مجددا ورغبة طهران القوية في استعادة حصتها السوقية وذلك في الوقت الذي وصلت فيه صادرات العراق وبعض دول الخليج إلى مستويات قياسية غير مسبوقة. وتحدثت إيران عن قرب وصول إنتاج أوبك إلى 33 مليون برميل يوميا بزيادة ثلاثة ملايين برميل عن السقف الإنتاجي الذي حددته أوبك لنفسها والملتزمة به منذ قرابة عشر سنوات. وكان بيجن زنغنه وزير النفط الإيراني قد قال إن عقد اجتماع طارئ لمنظمة أوبك قد يكون "فعالا" في جلب الاستقرار إلى سعر النفط. وفي وقت سابق هذا الشهر قالت الجزائر إن على منظمة البلدان المصدرة للبترول عقد اجتماع طارئ لمناقشة تراجع أسعار النفط لكن مندوبين آخرين في المنظمة قالوا إنه لا توجد خطط لعقد اجتماع. وشدد أرجيال على ضرورة التصدي لظاهرة تهريب النفط والسوق السوداء التي انتعشت أخيرا في الأراضي الذي يسيطر عليها تنظيم داعش وكما ظهر في اليمن من خلال نشاطات تقوم بها جماعة الحوثي وهو ما يؤثر سلبا في استقرار وتعافي أسعار الخام في العالم. وأوضح رالف فالتمان المختص النفطي، أن النفط الصخري الأمريكي رغم الانخفاضات الحادة في السوق يبعث رسالة دائمة لبقية المنتجين بأنه جاء ليبقى ولذلك يقاوم صعوبات السوق بسياسات تقشفية وخفض تكاليف الإنتاج وتقليص العمالة وغيرها من الأدوات. وقال فالتمان إن تغييرات جذرية حدثت في سوق الطاقة في العالم تقوم أبرز ملامحها على وفرة وتنوع الموارد ولكن النفط الخام التقليدي ما زال يحتفظ بالنسبة الغالبة من مزيج الطاقة العالمي ويعتبر وجوده في بعض المجالات بلا منافس مثل قطاع النقل. وأشار فالتمان إلى أهمية تأقلم المنتجين والشركات مع المستويات المنخفضة للأسعار التي ستستمر بعض الوقت مع الرهان على مستويات جيدة مقبلة في الطلب العالمي ستحقق بعض التوازن وتقلل خسائر الأسعار. من جهة أخرى، كشف تقرير للمقر الأوروبي للأمم المتحدة في فيينا أنه تم الاتفاق بين منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "يونيدو" وصندوق أوبك للتنمية "أوفيد" على قيام الأخير بدعم مشروعات لتطوير الإنتاجية والتنافسية الصناعية في دول أمريكا الجنوبية بقيمة مليون دولار. وقال لي يونج المدير العام لمنظمة "يونيدو"، إن دعم صندوق أوبك سيركز على تطوير الثروة السمكية في دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا وكوبا وجمهورية الدومينيكان والإكوادور والمكسيك ونيكاراغوا حيث يمثل قطاع الثروة السمكية مصدرا مهما من مصادر الدخل وسيركز دعم أوفيد على تعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية لهذا القطاع وأمثاله لنظم الجودة العالمية والمعايير البيئية. وقال سليمان الحربش المدير العام لأوفيد إن دعم الصندوق سيركز على التنمية المستدامة لقطاع الثروة السمكية في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي من خلال تشجيع المزيد من الكفاءة في استخدام الموارد والبيئة وسوف يسهم أيضا في جهود الحد من الفقر وخلق فرص العمل وتوليد الدخل. وأشار الحربش إلى توجه أوفيد لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين الروابط بين الشركات المحلية والإقليمية والعالمية.
مشاركة :