نجحت أوكرانيا أمس في شطب 20 في المائة من ديونها المتراكمة بعدما توصلت لاتفاق بعد خمسة أشهر من المفاوضات الصعبة مع دائنيها الغربيين الرئيسين حول إعادة هيكلة الديون التي تعد قضية جوهرية للنهوض بالاقتصاد الأوكراني المتعثر. وبحسب "الفرنسية"، فقد ذكر مصدر في وزارة المالية الأوكرانية أن الاتفاق ينص على شطب 20 في المائة من الدين أي نحو 3.6 مليار دولار وعلى زيادة طفيفة في معدلات الفائدة (7.75 في المائة مقابل معدل 7.2 في المائة حاليا). ويقضي الاتفاق بتمديد فترة تسديد القرض أربع سنوات، وفقا للوزارة الأوكرانية، ويسمح تخفيف عبء الدين لأوكرانيا بتفادي التعثر في السداد والالتزام بالشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي لمواصلة تقديم المساعدة المالية لكييف. وأكدت وزارة المالية أن هذا سيخفض بشكل جوهري عبء دين أوكرانيا التي خاضت مفاوضات بشأنه منذ آذار(مارس)، وتواجه أزمة اقتصادية خطيرة ونزاعا مسلحا داميا مع الانفصاليين الموالين لروسيا. من جهته، قال أنطون سيلوانوف وزير المالية الروسي إن بلاده لن تشارك في اتفاق إعادة هيكلة ديون أوكرانيا، رغم موافقة الدائنين الدوليين على صفقة مماثلة. وأضاف الوزير الروسي أن بلاده لا توافق على شطب 20 في المائة من السندات المقومة باليورو والتي قامت بشرائها من أوكرانيا. ويبدو أن حالة الاقتصاد الأوكراني، التي تدهورت بسبب النزاع الدائر في البلاد وبلغت عتبة إعلان الإفلاس، ستترك ظلالها على الاقتصاد الروسي وهو ليس في أحسن حالاته اليوم. فيما لا يستبعد أن تستخدم موسكو ديونها على أوكرانيا كورقة ضغط سياسية، وهي التي تعرضت لعقوبات شديدة بسبب موقفها من النزاع الأوكراني. وكانت أوكرانيا قد أعلنت رسميا أنها ستمتنع عن تسديد الديون الخارجية، ورغم أن الديون الروسية على أوكرانيا لا تتعدى ثلاثة مليارات دولار، ولا تعد مصدر قلق، إلا أن ما يقلق المسؤولين الروس هو الديون التجارية التي تبلغ 25 مليار دولار. وتطالب الحكومة الروسية أوكرانيا باستعادة قيمة سندات الخزانة المستحقة، التي اشترتها من الحكومة الأوكرانية في 2013، والبالغة قيمتها ثلاثة مليارات دولار. وكان البرلمان الأوكراني قد اعتمد قانونا أحالته إليه الحكومة يسمح بفرض حظر على سداد الدين الخارجي، أي بالامتناع عن سداد الدين المستحق لجهات خارجية، علما بأن القانون الجديد سيبقى ساري المفعول لمدة عام. وتبلغ الديون المستحقة في السنوات الأربع المقبلة نحو 30 مليار دولار، وتشير بيانات البنك المركزي الأوكراني إلى أن الدين الخارجي الأوكراني يعادل 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (نحو 50 مليار دولار)، وأنه يمكن أن يبلغ مع حلول العام المقبل 93 في المائة. وإلى جانب الديون السيادية المباشرة، هناك خسائر كبيرة يتوقع أن يتكبدها المستثمرون الأجانب في أوكرانيا. وقد لجأ المستثمرون الأجانب إلى المحاكم الدولية لاستعادة 170 مليار جريفين (8.2 مليار دولار)، وأفاد وزير المالية الأوكراني أن المستحقات التي يطالب بها المستثمرون تراكمت بين 2014 و2015، أي في فترة الأزمة مع شرق البلاد الانفصالي ومع روسيا. وأدت الأوضاع المتردية في أوكرانيا إلى شلل في الإنتاج الصناعي وتراجع عام في ناتج الدخل المحلي ما ينذر بإعلان إفلاس البلاد، الأمر الذي يتخوف منه دائنو أوكرانيا. وكانت وكالة موديز للتصنيف قد أعلنت في آذار (مارس) تخفيض التصنيف الائتماني السيادي لأوكرانيا، مبقية على توقعات سلبية بشأنها. وأفادت الوكالة بأن العامل المحدد في تخفيض تصنيف أوكرانيا الائتماني السيادي، هو احتمال تكبد دائنيها الخارجيين من القطاع الخاص خسائر، نتيجة خطة إعادة جدولة معظم سندات الخزانة التي أصدرتها الحكومة وباعتها. فيما خفضت وكالة "ستاندارد آند بورز" في نيسان (أبريل) الماضي تصنيف أوكرانيا طويل الأجل على التزاماتها بالعملة الصعبة من "سي سي سي" إلى "سي سي"، الذي يعني درجة مخاطرة عالية في القروض، مع توقعات مستقبلية سلبية. من جهة أخرى، أجرى الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أمس محادثات مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول التحديات الاقتصادية التي تواجهها بلاده. وفيما تعاني أوكرانيا ضائقة مالية وتتلقى دعما دوليا لحمايتها من الإفلاس في مقابل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية موسعة، تواجه الحكومة انتقادات لعدم اتخاذ الخطوات الكافية لاقتلاع جذور الفساد والمضي في التغييرات الضرورية لجعل البلاد متماشية مع المعايير الغربية. وتطرقت المحادثات للمخاوف الروسية من اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، والتي تم تأجيل تنفيذها لحين تهدئة المخاوف الروسية من احتمال تدفق السلع الأوروبية الرخيصة إلى روسيا عبر أوكرانيا أو إلحاق ضرر بالصناعة المحلية.
مشاركة :