بلادنا زاخرة بالمؤلفات والمخطوطات النادرة، وكل يوم يمر يكتشف الباحثون مزيدا منها، مما كان محفوظا في مكتبات خاصة أو عامة، أو لدى ورثة بعض المؤلفين. ومن بين هذه المخطوطات: “تاريخ عبد العزيز بن أحمد السديري”، والذي لا يزال محفوظا لدى ورثته، وقد حصل يزيد بن محمد السديري على صورة منها من حفيد المؤلف، فزودني بها مشكورا. المؤلف هو عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن أحمد الأول بن محمد السديري، ولد أواخر سنة 1324هـ، أو بداية التي تليها، في منطقة الأفلاج، إذ كان والده أميرا عليها. ودرس في طفولته على امرأة معلمة تدرس الأطفال: أولادا وبنات سويا، ثم انتقل إلى مدرسة (كتاب) جامع مدينة ليلى، ودرس على شيخ يعلم الأولاد. عينه الملك عبد العزيز أميرا على الجوف في شهر ذي الحجة من عام 1351هـ، ثم عينه أميرا على القريات ومفتشا على الحدود الشمالية عام 1357ه، وفي الأشهر الأخيرة من عمره عينه الملك سعود وزيرا للزراعة عام 1375هـ، وهو العام الذي توفي فيه. ومما يذكر له أنه أسس أول مدرسة للبنات في شمال المملكة العربية السعودية عام 1370هـ، في القريات، كما أسس في العام نفسه مستوصفا صحيا. المخطوطة اطلعت على مصورة المخطوطة، وتقع في 68 صفحة، وكتبت بخط واضح، ويبدو أنه خط المؤلف على ما ذكر لي بعض أقاربه. وقد كتبها قبل وفاته بثلاث سنوات في مدينة القريات عام 1372هـ، كما هو واضح في الصفحة الأخيرة من الكتاب. وحاول المؤلف صياغة كتابه بلغة عربية فصيحة، إلا أنه لم يلتزم بقواعد اللغة والنحو، كما أنه يخالف أحيانا الرسم الإملائي الصحيح. مضمون الكتاب يبدو أن المؤلف وضع كتابه هذا كي يكون تاريخا خاصا بأسرته (السدارا) عامة، وبتاريخ والده خاصة، إلا أنه تناول في ثناياه أخبارا أخرى تتعلق بتاريخ نجد وأهلها، وبعض الحروب التي وقعت فيها، ومقام الإمام عبد الرحمن الفيصل، وابنه الملك عبد العزيز في الكويت، كما نجد معلومات عن بدايات التعليم الحديث في منطقة نجد، وأخرى عن التعليم التقليدي القديم في منطقة نجد. مؤلف المخطوطة عبد العزيز السديري. بدأ المؤلف كتابه بمقدمة تمنى فيها لو كانت هناك رسائل ووثائق محفوظة لأجداده، وقدماء أسرته، كي يحدد زمانهم الذي عاشوا فيه، وذكر أنه لم يجد أي رسالة تخصهم. ثم يتحدث بشكل مختصر عن بعض متقدمي أسرته، لينتقل بعدها إلى الحديث عن جده الأمير أحمد الأول (ت1277هـ)، وجده المباشر الأمير محمد (ت 1290هـ). ثم يتحدث بعدها باختصار عن الإمام فيصل بن تركي (ت1282هـ)، وأولاده، والخلاف الذي وقع بينهم، ودور جده محمد في تلك الفترة. ثم ينتقل إلى الحديث عن والده أحمد، ويرجح أن ولادته كانت في سنة 1283هـ، ثم يذكر أن والده ذهب إلى البحرين وهو في الخامسة عشرة من العمر ليحضر عمه عبد الرحمن المريض، الذي رفض العودة، فعاد وحده حاملا معه هدايا إلى الإمام عبد الله الفيصل في الرياض، ولم يشر المؤلف إلى مرسل الهدايا، وهي على الأغلب من أمير البحرين. وحين وصل الرياض وجد حكمها بيد الأمير محمد بن سعود (غزالان) وإخوانه، فشارك معهم في الدفاع عن الرياض، وأرسل الهدايا إلى الإمام عبد الله في سجنه بالرياض. وحادثة السجن التي رواها المؤلف عن والده يذكر المؤرخ إبراهيم ابن عيسى في “عقد الدرر”، وغيره أنها وقعت في محرم من عام 1305هـ، وهو المشهور، بينما يوردها خالد الفرج في تاريخه “الخبر والعيان”ضمن حوادث سنة 1302هـ، وهو أقرب لما ذكره المؤلف، وسواء وقعت في أي من التاريخين فإن هذا يدل على أن عمر والده حينها أكبر مما ذكر. وبعد هذه الحادثة ينقل المؤلف عن والده تفاصيل مهمة عن تلك الفترة، وحديثا مطولا دار بينه وبين غزالان، ثم ينقل عن والده حديثا عن الأمير محمد بن رشيد، الذي ولاه إمارة الغاط، ثم حديث لا يخلو من مبالغة عن آل رشيد، لينتقل بعدها للحديث عن معركة الصريف، التي وقعت عام 1318هـ، وينقل هنا حديثا مطولا سمعه بحضور والده من الملك عبد العزيز عن هذه المعركة، وتوقعه نتيجتها، ودخوله الرياض، وإقامته فيها أربعين يوما حضر خلالها دروس العلماء، قبل الانسحاب إلى يبرين في الربع الخالي، بعد بلوغه نبأ الهزيمة في معركة الصريف. ثم ذكر أن والده عقب على حديث الملك عبد العزيز، وذكر للملك بعض الأحداث التي جرت له بعد دخول الملك عبد العزيز الرياض عام 1319هـ، وذهاب والد المؤلف حائل ولقائه عبد العزيز بن متعب بن رشيد، بحضور ماجد بن حمود بن عبيد بن رشيد، ثم يواصل النقل عن والده أخبار تلك الفترة، والمعارك التي شارك فيها تحت لواء الملك عبد العزيز، وتعيينه أميرا على منطقة الأفلاج، وأعماله خلال هذه الفترة. ثم عن حجه عام 1335هـ مع الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل، ومقابلته للشريف حسين، ويورد رأيه فيه. ثم يتحدث المؤلف عن والده ومميزاته وأخلاقه وآرائه وعائلته، واستعفائه من العمل، ومحاولة بالإمام عبد الرحمن الفيصل ثنيه عن ذلك. ثم يذكر أنه توفي عام 1354هـ مديونا، وأن الملك عبد العزيز سدد ديونه. ويتحدث بعدها المؤلف عن والدته منيرة بنت زيد بن رشود، ويثني عليها وعن دورها في تربيته، كما يثني على والديها، ويصف والدها بالتقى والمعرفة بعلوم الدين، ويبدي إعجابه به ويقول إنه “مطلع متحرر”، وأنه طعم أولاده ضد الجدري في وقت “كانت هذه الفكرة، أي فكرة التطعيم غير مقبولة عند علماء الدين في نواحي نجد حتى قرابة عام 1351هـ”. بعد ذلك وفي فصل عنونه المؤلف بـ “الحياة عظة وعبرة”، يتحدث فيه عن ولادته وطفولته ونشأته ودراسته، ورحلاته وأسفاره. ويتوسع في هذا الفصل بالحديث عن طريقة التعليم في تلك الفترة، ويتحسر على ضعف التعليم، وعدم الاهتمام به، ويتألم من قلة الأوقاف التي توقف على المدارس والكتاتيب، ويذكر أنه يوقف على المدرسة نخلة واحدة فقط. ويذكر المؤلف أن الملك عبد العزيز أراد ابتعاثه هو وأخويه خالد ومحمد للدراسة في مصر في بعثة علمية، ومعهم آخرون من ضمنهم الأمير عبد الله بن فيصل بن فرحان، والهدف من هذه البعثة كما يقول هو إعدادهم للعمل، إلا أن والده رفض ذلك بشدة، وعمل على إحباط الفكرة، ويذكر أنه تمكن من إقناع الملك عبد العزيز فعدل عنها، ويعتبر المؤلف ذلك خسارة كبيرة لهم. رواياته ما يزيد من قيمة الكتاب وأهميته أن كثيرا من رواياته أخذها مؤلفه عن شخصيات لها أهمية كبيرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وجاءت أغلب روايات المؤلف في تاريخه نقلا عن والده، فهو يكثر النقول عنه، بل قد تصل هذه النقولات إلى نصف حجم الكتاب، كما أنه يروي في الكتاب عن شخصيات أخرى مثل: الإمام عبد الرحمن الفيصل، والملك عبد العزيز، والأمير سعود الكبير بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل، والأمير عبد الله بن عبد الرحمن الفيصل، وعبد الله بن عسكر، من أمراء المجمعة، كما يروي عن بعض النساء، مثل عمته منيرة بنت محمد السديري. ختاما: الكتاب جدير بالتحقيق والنشر، فهو يحوي معلومات نادرة وقيمة، وكثير منها ليست في أي مصدر أو مرجع آخر. ولا يخلو الكتاب من بعض الأخطاء، إلا أنها لا تقلل من أهميته وضرورة نشره.
مشاركة :