لعل أجود ما في كتاب Man’s Search for Meaning أنه قائم على تجربة واقعية، فالمؤلف فيكتور فرانكل لا يورط نفسه في خطابات وعظية نصائحية، وإنما هو، على العكس من ذلك، يستقرئ تجربته في معسكرات الاعتقال النازية، أوشفيتز وغيره، ويستفز مخيلته ويشحذ ذهنه؛ كيما يخلص في نهاية المطاف إلى مجموعة من الأفكار والنسائر النظرية والعملية التي تعيننا وإياه على الوصول إلى جادة الصواب في هذه الحياة. ومؤلف كتاب Man’s Search for Meaning لا يردد مع محمود درويش «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» ولا يتذرع بتعداد ما على هذه الأرض من أمور وتفاصيل صغيرة رآها «درويش» دواعي لاحتمال العيش مثل: «رائحة الخبز في الفجر»، أو «كتابات إسخيلوس»، أو «تردد إبريل»، ولكنه على العكس من ذلك كله يرى أن الحياة بذاتها تستحق الحياة. ويبدو أن مؤلف كتاب Man’s Search for Meaning يردد مع فردريك نيتشه قولته الخالدة «نعم» لكل ما هو موجود، إنه القبول العام لكل ما تطرحه علينا الحياة أو حتى تصدمنا به، وسنعود في جزء ما من تناولنا لهذا الكتاب لهذه النقطة بالتحديد. إذًا ليس هذا الكتاب كتاب وعظ ولا نصائح، وإنما هو خلاصة تجارب ومعاناة قاسية، ولا يعلّمك مثل مجرب، ومن هذه الزاوية بالتحديد يأخذ الكتاب قيمته الأساسية. اقرأ أيضًا: كتاب All Your Worth.. خطة مالية مدى الحياةكتاب Man’s Search for Meaning وسننحاول الآن الغوص أكثر إلى عمق هذا الكتاب؛ أملًا في الحصول على لؤلؤه والدر الثمين الذي يتوفر عليه، لعلنا نتمكن في النهاية من العيش البهيج.المعنى صناعة ذاتية إن المنظور الأساسي الذي ينظر «رواد الأعمال» من خلاله إلى كتاب Man’s Search for Meaning هو كونه يقول إن المعنى صناعة ذاتية؛ فلا أحد يولد وقد ورث لحياته معنى، لا يعرف ما القضايا التي سوف يناضل من أجلها، ولا الأهداف التي سيحيا لها، كل ما هنالك أن يركب الصعب والذلول، ويسير في كل واد؛ أملًا في العثور على المعنى. المعنى ليس صناعة ذاتية فحسب، ولكنه سعي وكدح وجهاد أيضًا، من هنا فقط تستبين وجهة نظر فيكتور فرانكل؛ مؤلف كتاب Man’s Search for Meaning، فمن خلال هذا الكفاح من أجل المعنى نشعر حقًا بأن على الأرض ما يستحق الحياة. وعلى ذلك فإن النضال من أجل معنى الحياة هو الحياة ذاتها، وحياة لا معنى فيها لا تستحق أن تُعاش، بل ستكون عبئًا على صاحبها. لكن دعنا نسير خطوة أخرى إلى الأمام على صعيد تأويلنا لكتاب Man’s Search for Meaning فنقول: إن كل معنى موروث لا يُعول عليه، ولا يستحق أن نعيره التفاتًا، فهل يُعقل أن يقتات المرء على معاني الآخر؟! الأمر أشبه تمامًا بتقليد أشعب؛ ذاك الذي كان يذهب إلى موائد لم يُدع إليها، فإذا كان خليقًا بك ألا تذهب إلى مائدة لم تُدع إليها فمن باب أولى ألا تتبنى معنى صنعه الآخرون لأنفسهم وليس لك. ولك أن تعلم أيضًا أن كل وجود فريد لذاته وبذاته، ومن ثم فإن المعنى الذي أصنعه لوجودي لا ولن يكون مناسبًا لوجودك وشروط حياتك. وهنا نصل إلى إحدى أكبر غايات كتاب Man’s Search for Meaning تلك التي مفادها: إرادة الحياة هي إرادة معناها؛ فإذا كنت حقًا تريد أن تحيا حتى آخر نفس فيك، وأن تترع كأس الحياة حتى الثمالة، فإن عليك أن تستفرغ كل جهدك من أجل صنع معنى لهذه الحياة ذاتها التي وُهبت لك. اقرأ أيضًا: كتاب The Power of Positive Thinking… قوة الإيمانالإحباط الوجودي لكن ما هذا السبب يا تُرى الذي دفع مؤلف كتاب Man’s Search for Meaning إلى كل هذا التشديد على ضرورة صنع معنى للحياة؟ الرجل واضح في هذه النقطة تمام الوضوح؛ فهو يقول صراحة إن فشلك في عدم التوصل إلى المعنى الخاص بك، سوف يؤدي بك إلى ما يسميه «الإحباط الوجودي». ذاك الإحباط الذي يعني، من دون أي مراوغة، الفشل في معركة الحياة، وقبل ذلك الفشل في اكتشاف ما نعيش ونناضل من أجله. وشخصٌ هذه صفته سوف يكون عرضة لكل إحباط، فحين لا تجد معنى لحياتك لن تملك لا القدرة ولا الطاقة التي تخولك تحريك يدك، أو حتى إخراج نفسك. وأولى طرق العثور على المعنى ذاك أن تجد ما تناضل من أجله، ما تعيش في سبيله، إذا تمكنت من ذلك حقًا فسوف تتحمل كل مصاعب الحياة ومدلهماتها؛ كيما تتمكن من تحقيق هدفك والانتصار لقضيتك. اقرأ أيضًا: كتاب Getting Things Done.. إنتاجية بلا إجهادالعلاج بالمعنى كان منطقيًا أن يقترح مؤلف كتاب Man’s Search for Meaning بعدما خرج من معسكرات الاعتقال النازية، وبعدما عانى الويلات والصعاب في هذه الظروف، طريقة جديدة في العلاج النفسي سماها «العلاج بالمعنى» أو «العلاج المنطقي»، وهي طريقة تساعد الناس في إدراك المعنى من حياتهم. وهنا يأتي التجديد الذي يقدمه فيكتور فرانكل؛ فهو لا يقصر بحثه واشتغاله على قوى في الوعي أو حتى اللا وعي، كما آثر فرويد أن يكرس بحوثه وجهوده، ولكن مؤلف كتاب Man’s Search for Meaning ينقل المعركة إلى ساحة أخرى؛ فهو يغادر الوعي واللاوعي ويذهب إلى أرض «الحقائق الوجودية». يشمل Logotherapy تأثير “الحقائق الوجودية“: كيف يعيش المرضى ويعملون ويحبون وصحتهم وما شابه ذلك، كما تسعى هذه الطريقة إلى مساعدة المرضى في تحديد أكثر ما تحتاجه أرواحهم وتحقيقه لإعطاء معنى لحياتهم. وتظهر أهمية العلاج بالمعنى حين ننظر إلى الزاوية المغايرة، فغياب المعنى يقود حصرًا إلى حالة من الفراغ الوجودي الذي أمسى مصدر قلق معممًا منذ أواخر القرن العشرين، ويتجلى هذا الفراغ في شكل الملل، وهو تعبير عن الانفصال بينك وبين أهدافك. يحدث ذلك عندما لا تتمكن من العثور على غرضك الضروري أو الاتصال به؛ فالناس الذين ليس لديهم هدف يقعون فريسة “الامتثال”: فعل ما يفعله الآخرون، أو “الشمولية”: فعل ما يقوله الآخرون. قد يصبح الفراغ واضحًا في أوقات الفراغ القسري، مثل أيام العطل والإجازات. اقرأ أيضًا: كتاب Finish.. حين يكون العمل الشاق حافزًاالقبول العظيم أو التفاؤل المأساوي دائمًا ما أُسيء فهم آرثر شوبنهاور وأطروحاته الفلسفية حول الشعور البهيج بمأساوية الحياة، وكذا الحال بالنسبة إلى أطروحات فلاسفة آخرين من أمثال جورج باتاي وميغل دو أونامونو؛ لكن فيكتور فرانكل يبدو أنه فهم المسألة على النحو الصحيح. فمؤلف كتاب Man’s Search for Meaning يتحدث عما يسميه «التفاؤل المأساوي» ومقصده من هذا: أنه مهما يكن من ظروف وصعاب تواجهك فأهلًا بها ومرحبًا، طالما أن الهدف النهائي الذي ترمي إليه هو صنع المعنى الذاتي الفريد والخاص بك وحدك دون سواك. تلك هي مهمتك الأساسية بغض النظر عن ماهية ظروفك، بهذا المعنى تمنحك المآسي والصعوبات _إن واجهتك_ نوعًا من القوة التي تخولك عبور النهر أو صعود الجبل دون خوف أو وجل، وهكذا نفهم على نحو جلي أطروحة كتاب Man’s Search for Meaning بما هو دعوة للحياة والانخراط في أتونها؛ حيث لا هرب منها أو ارتحال عنها. اقرأ أيضًا: كتاب Secrets of the millionaire mind.. الثراء تفكير والتزام كتاب Rich Dad Poor Dad.. خفايا لعبة المال كتاب Deep Work.. سبل الخلاص من المشتتات
مشاركة :