أثار إقدام تنظيم «داعش» على قتل عالم آثار كبير وتدمير معبد قديم بمدينة تدمر السورية القلق مجددا حول دور الجماعة الإرهابية في التجارة غير القانونية في الآثار بالمنطقة. وأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، قبل يومين، نشرة تحذيرية للمقتنين والمتعاملين في الآثار، من التعامل بقطع أثرية من الشرق الأدنى استولى عليها تنظيم «داعش» ومن المحتمل ظهورها في الأسواق. يقول بوني مغنيس غاردنر، رئيس وحدة سرقات الآثار بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي: «لدينا تقارير مؤكدة تفيد بتلقي مواطنين أميركيين مقتنيات ثقافية نقلت من سوريا والعراق، مؤخرا». وفى مايو (أيار) الماضي، كشفت غارة جوية في سوريا استهدفت أبو سياف، المسؤول المالي في «داعش» الذي قتل لاحقا، عن خبيئة تضم عددا كبيرا من القطع الأثرية، مما يعد «دليلا مؤكدا على السرقات التي تعرضت لها المواقع الأثرية في سوريا والعراق، ومن داخل المتاحف الوطنية، ثم تخزينها بغرض البيع في الأسواق العالمية»، حسب وزارة الخارجية الأميركية. وعلى الرغم من قيام التنظيم بنشر مقاطع مصورة بشكل منتظم عن عمليات التدمير التي يقومون بها، فإنه من الصعب تقدير حجم الدمار الحقيقي أو تحديد طبيعة القطع المهربة من المواقع القديمة. ويشجع «داعش» على سرقة الآثار بإصداره تصاريح للتنقيب عنها مدونا عليها عبارة: «باسم الله الرحمن.. شرط ألا تتسبب في أذى للمسلمين»، حسب عمر العظم، أستاذ مساعد تاريخ الشرق الأوسط وعلم الأجناس بجامعة شاوني بولاية أوهايو. وعرض البروفسور العظم صورة ضوئية لرخصة للتنقيب أثناء ندوة نظمتها الهيئة الدولية للبحوث الفنية بداية الشهر الحالي. ويقول الدكتور العظم لصحيفة {آرت نيوز بيبر}: «يعيش كل سوري فوق موقع أثري، وإما بالقرب من موقع أو على مرمى حجر منه». بالنسبة لكثيرين ممن يعيشون في المنطقة التي مزقتها الحرب، تشكل فرصة العثور على كنز إغراء كبيرا يصعب مقاومته. بيد أن غالبية القطع ليست ذات قيمة كبيرة، حيث إن معظم القطع المدفونة ليست سوى أوانٍ للاستخدام المنزلي مثل القدور وغيرها، ولا تشتمل على قطع يمكن اعتبارها كنوزا لا تقدر بثمن. قدرت تقارير سابقة صادرة عن وسائل إعلامية محترمة مثل «بلومبيرغ» قيمة المسروقات الأثرية التي يقوم بها «داعش» بنحو 300 مليون دولار أميركي، وأفاد سفير العراق لدى الأمم المتحدة أن «داعش» يكسب نحو مائة مليون دولار سنويا من إجمالي قيمة التجارة العالمية في هذا النشاط الذي يتراوح بين 150 مليونا ومائتي مليون دولار، حسب فينسينت غريلنغ، رئيس الاتحاد الدولي للمتعاملين في المقتنيات الفنية القديمة. ولا تتعامل التجارة العالمية في القطع المسروقة، وتتجه غالبية القطع إلى الغرف الخلفية في محلات تركيا ولبنان، ولا يظهر في أوروبا أو الولايات المتحدة سوى القليل، حسب غريلنغ. ويضيف: «مر أكثر من عام تقريبا الآن والكل يترقب ظهور تلك القطع، إلا أن هذا لم يحدث». حتى أثمن القطع قد لا تصل للأسواق الغربية أو تتأخر لبعض الوقت، حسب برينتون إيستر، مسؤول بإدارة الأمن الداخلي والهجرة والجمارك. وفى كلمته التي ألقاها في ندوة الهيئة الدولية للبحوث الفنية، قال برينتون إن الهيئة بدأت مؤخرا التوصل لقطع فنية سُرقت أثناء ثورات الربيع العربي في 2011، مما يعني أن الأمر يستغرق سنوات حتى تظهر تلك القطع بالأسواق. ويقول مايكل دانتي، الأستاذ بجامعة بوسطن والمسؤول عن مبادرة أطلقتها الكلية الأميركية للآثار الشرقية بالاشتراك مع وزارة الخارجية الأميركية بهدف توثيق سرقات الآثار، إن الاستثناء الوحيد هو تجارة العملات الأثرية. ويمكن العثور على العملات، سواء قديمة أو تلك التي تعود لعصور بلاد الرافدين أو غيرها، عن طريق جهاز كشف المعادن، وغالبا ما تتمتع بقيمة كبيرة نظرا للمعادن التي تتشكل منها، إلا أنه يصعب اقتفاء أثرها، حسب دانتي. ويضيف أن بعض تلك القطع شقت طريقها للأسواق وعرضت للبيع على المواقع الإلكترونية الغربية. وحذر ماغني غاردنر، في نشرة مكتب التحقيقات الفيدرالي الصادرة مؤخرا: «عليك أن تكون حذرا للغاية عند الشراء»، ويضيف: «لا نريد أن نقول لا تشترٍ أي شيء على الإطلاق، حيث إن هناك الكثير من القطع المشروعة المتداولة في السوق، وما نحاول أن نقوله هو أن ننصح بأن لا تجعل تلك القطع جزءا من الصفقة، فقد تستخدم عائدات بيعها في تمويل الإرهاب». قد لا تدر القطع التراثية العائد نفسه الذي تدره باقي مصادر دخل «داعش» مثل واردات بيع النفط، والابتزاز، والسطو على البنوك، والفدية، بيد أننا يجب أن لا نستهين بقدرة «داعش» على رفع سعر أقل القطع قيمة، «فهم يحملون السلاح» حسب دانتي.
مشاركة :