كانت ترى قرة عينها في أبنائها،بل إنها أرادت أن تجسد من خلالهم الكثير من الأحلام التي ملأت رأسها الصغير،قبل أن تتقطع بها السبل،وتزف إلى(عريسها) في سن مبكرة. أدركت أن الزمن صعب،وأن المدينة غول يلتهم كل من يغفل لحظة واحدة.حتى المجتمع،فإنه لا يرحم،خاصة امرأة في وضعها. مرت السنوات سريعا،لتقطف ثمار نضالاتها من خلال نجاح أبنائها والتحاقهم بالجامعة،وكذا انتشارها وتعرف الناس عليها كطباخة،وصانعة حلويات ماهرة.بل إنها أصبحت عضوة في العديد من الجمعيات الخيرية التي تنشط محليا وإقليميا. وكان اليوم الموعود. فذات صدفة لم تكن لتخطط لها،وذات إشراقة عمر غيبته صروف الدهر،كانت تحضر اجتماعا لجمعية( كافل اليتيم ).تحدث رئيس الجمعية مرحبا بالجميع،ثم قدم لهم أحد الأعضاء كان مندوبا للجمعية في الخارج. سلم المندوب،واسترسل متحدثا بلكنة لم تفهمها بسرعة.انحنت قليلا إلى الأمام لتطل عليه،فقد كان يجلس حول الطاولة المستديرة في الجهة اليمنى.ما أن وقعت عليه عيناها حتى تصاعدت دقات قلبها! لم تستطع تفسير الأمر.كان يافعا،أنيقا،ويبدو أقل سنا من صاحبة التسع وثلاثين ( شتاء). ياالله…كأنما هي تعرفه.كأنما كان يعيش في داخلها منذ الأزل.وقفز إلى الصورة الآن. كيف يحدث كل هذا؟هل هذا فعلا ممكن؟هل قلبها يدق حقيقة بهذه السرعة،وهذه البساطة،وهيالتي كانت ترى الرجال كلهم مجرد…أشياء!!! التصقت بالطاولة الي درجة وضع خدها الأيسر عليها،وهي تتفرسه،بل تلتهمه بعينيها. لم يمر ما كانت تقوم به دون جلب انتباهه،وهو يتحدث.فقد كان يرمقها من حين إلى آخر،لدرجة أنه ابتسم لها مرة،فبادلته ابتسامة سريعة.ثم انتفضت لترجع إلى جلستها الطبيعية. ( ياحبيبي يلا نعيش في عيون الليل ونقول للشمس تعالي ، بعد سنة مش قبل سنة دي ليلة حب حلوه بألف ليلة وليلة بكل العمر.. هو العمر إيه غير ليلة.. زي الليلة .. زي الليلة ) انتهى الإجتماع،وانفض الجميع،وهي مازالت في مكانها لم تحرك ساكنا. مدت يدها اليسرى في تثاقل نحو حقيبتها،وهي ترتكز باليسرى على الكرسي محاولة النهوض . -مساء الخير أستاذة محاسن. رفعت رأسها في بطء وهي نصف واقفة،ثم عادت لتسقط بسرعة على الكرسي. إنه هو ! كان يقف في الجهة المقابلة من الطاولة. – مساء الخير أستاذ… – زهير… أنا زهير من العراق.لا تستغربي من معرفتي اسمك،فقد قرأت الأسماء تحت الصور في اللوحة المعلقة في مدخل المقر. لم تكن تصدق الذي يحدث لها.كانت تجول ببصرها يمينا،وشمالا كأنما تبحث عن منفذ تهرب منه.ثم لا تلبث أن تتسمر عيناها لتتغذى بابتسامته الساحرة،وقد طال أمد صيامهما. -هل تسمحين لي بالجلوس أستاذة محاسن؟ -آه..آه تفضل أستاذ زهير . قالتها وهي تشير بيدها إلى الكرسي الذي يرتكز عليه بيديه وهو واقف. جذب الكرسي بهدوء دون أن يزيغ بعينيه عنها،بينما كانت تخفي يديها المرتعشتين تحت الطاولة،وهما تتحركان بقلق، وعصبية فوق ركبتيها. -حدثيني عن نفسك أستاذة محاسن. -أحدثك عن نفسي؟ قالتها بسرعة واستغراب. -أقصد عن نشاطاتك ودورك في الجمعية. -أنا عضوة في عدة جمعيات خيرية.أساعد بالقدر الذي تسمح به التزاماتي الأسرية. -آه…وكيف هي أحوال الأسرة؟ نظرت إليه مليا،ثم التقطت حقيبتها اليدوية،وانتفضت واقفة وهي تقول: -آسفة آستاذ زهير ،لا أتحدث عن حياتي الخاصة مع الأغراب.سلام. قالتها ثم لفت الطاولة بسرعة لتغادر منهية الحديث. -لكنني لم أعد غريبا. تسمرت أمام الباب،والتفتت ببطء.كان يرمقها وابتسامته الساحرة ما زالت تعلو شفتيه. لم تفق إلا وهي تجري في الرواق مغادرة مقر الجمعية. ( يا رب تفضل حلاوة سلام أول لقا في ايدينا وفرح أول ميعاد منقاد شموع حوالينا ويفوت علينا الزمان يفرش أمانه علينا يارب ) يتبع… ولحديث القلوب شجون لاتنتهي sherinelzeiny@gmail.com
مشاركة :