كان متوقعاً أن تحدث أشياء غريبة وصادمة بعد الفوضى والانفلات الأمني الذي شهدته أمريكا عقب مقتل جورج فلويد واستغلال الحادثة لتنظيم احتجاجات غير سلمية مسيسة في ظل احتدام التجاذبات بين الرئيس ترمب ومؤسسة الرئاسة من جهة والديموقراطيين من جهة أخرى، والتي بلغت ذروتها خلال وبعد الانتخابات، إلا أنه لم يكن متوقعاً أن يتم الزج بمعقل ورمز السياسة والديموقراطية الأمريكية، مبنى الكونجرس، في هذا الصراع الشرس. ليس سهلاً تصور اقتحام المبنى بتلك السهولة وكأن المقتحمين فوج سياحي ورجال الأمن مرشدون سياحيون وليسوا موظفين مسؤولين عن أهم مؤسسة في البلاد.لقد سقطت حدود الصراع بين الطرفين وتمت استباحة المحظورات من أجل كسب معركة كسر العظم بين طرفين يديران أقوى دولة في العالم، تتباهى بقوتها الأمنية وتزعم أنها حارسة الديموقراطية وحامية الأمن في العالم. لقد سقطت الأسطورة الأمنية وضوابط الخلاف السياسي والتداول السلمي للسلطة وديموقراطية إدارة الصراعات الحزبية في مشهد صادم لكل العالم.صحيح أن الرئيس دونالد ترمب أشعل فتيل الأزمة بإصراره على تزوير الانتخابات وتصعيده لغة الحوار وتجييش أنصاره، لكنه ليس مستبعداً أن يكون خصومه قد استغلوا بخبث ودهاء تحريضه لأنصاره على الاحتجاج ضد الكونجرس يوم المصادقة على نتيجة الانتخابات لتفجير الموقف وتجهيز المقصلة له، بالتغافل والتساهل لدخول أنصاره مقر الكونجرس في يوم تتوجه كل أنظار العالم إليه، لتصبح في أيديهم مسوغات وتبريرات للتمثيل بالرئيس ترمب وبأيامه الأخيره في البيت الأبيض، وربما القضاء على مستقبله السياسي.ومن الآن إلى يوم 20 يناير، وربما الأيام التالية له، سيكون المشهد السياسي الأمريكي سيريالياً بامتياز، وستكون مرحلة اختبار دقيقة وصعبة للمجموعة التي تتصدر المشهد بعد أن آل إليها إرث الآباء المؤسسين لواحدة من أعظم الديموقراطيات في التأريخ.ستكون أمريكا بكل تأريخها السياسي على المحك، فإما أن يعود سياسيوها إلى رشدهم من أجل ذلك التأريخ أو يؤسسوا لتأريخ جديد لا يليق بما وصلت إليه أمريكا من قوة وتقدم، يجعلها لا تختلف عن بقية الدول التي دأبت على انتقاد أنظمتها السياسية.habutalib@hotmail.com< Previous PageNext Page >
مشاركة :