تبنت الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة برنامجا طموحا للاحتفال بمئوية الدولة الأردنية، البرنامج الذي عرضه الوزير باسم الطويسي يغطي جميع الجوانب، ويقدم فرصة نادرة للدولة لتوعية الشعب بسردية بناء الأردن والتأسيس لما يمكن أن نسميه بنك معلومات متكاملا عن مسيرة الدولة خلال المائة العام الماضية.ومع أن الفترة الزمنية لتنفيذ البرنامج تمتد للسنة الحالية، إلا أنه من الضخامة التي قد تتطلب عامين لإنجازه، ولا بأس في ذلك بشرط أن تتوفر المخصصات اللازمة لتنفيذ البرامج والمشاريع المعرفية والبحثية.ومن ضمن مشاريع الاحتفالية، محور خاص بعنوان “التطلع إلى المستقبل” ويستهدف الابتكار يين ورواد الأعمال، عبر توفير بيئة مناسبة للتفكير بمستقبل الأردن في مئويته الثانية، وتخيل الأردن الذي تتطلع إليه الأجيال القادمة.في اعتقادي أن هذا من أهم محاور الخطة. استعراض تاريخ الدولة في مائة عام مهمة جليلة وضرورية لغرس الوعي بما أنجز الآباء والأجداد، ففي ذلك مدخل لبناء الثقة بالذات الوطنية، واليقين التام الذي نحتاج إليه لمواجهة تحديات القرن الجديد، واستلهام الدروس من سيرة المؤسسين في مراحل تاريخية خاضت فيها الدولة والقيادة معارك وجود، وقف فيها الأردن على الحافة قبل أن ينهض من جديد ويواصل مسيرة البناء.لكن من المفيد هنا التفكير بتوسيع نطاق المهمة، لتشمل ممثلي مختلف القوى الاجتماعية والانتاجية والسياسية الأردنية، بمعنى آخر لجنة وطنية عليا من أصحاب الخبرة والاختصاص، تعكف على تخيل صورة الأردن في المئوية الثانية، تدرس التحديات القائمة والتهديدات المحتملة، والفرص الكامنة، وتضع سيناريوهات للعقود المقبلة، تعالج الكيفية التي تتعامل فيها الدولة مع المخاطر والفرص والتحديات.ومن صلب مهام اللجنة التأشير على نقاط الضعف في المجتمع والمؤسسات والسياسات، والتشريعات الأساسية، وحالة الأردن في الإقليم ودوره المستقبلي.لنأخذ على سبيل المثال تحديات وقضايا كالمياه واللاجئين بوصفهما تحديان دائمان للأردن منذ ولادته، في الأمرين بلغ الأردن نقطة حرجة، ولا نملك تصورا وافيا للمستقبل. وفي العقد الحالي نواجه سؤال المياه وشح المصادر والبدائل، مثلما نواجه سؤال التعامل مع تحدي اللجوء السوري الذي مضى عليه نحو عقد من الزمن، ولا تلوح في الأفق فرصة حقيقية للعودة.ينبغي دراسة مثل هذه التحديات وغيرها كملف الطاقة من قبل المختصين بعمق وجرأة واستعراض الآثار المحتملة على تركيبة البلاد السكانية ومدى قدرة الدولة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، والتكيف مع مجتمع يشهد تغييرا جوهريا على تشكيلته الديمغرافية، وتتزايد فيه المطالب المعيشية، ويطمح في ذات الوقت لتطوير قدراته في مجال الصناعة والزراعة.بكلام آخر، نحتاج في العقود الأولى من المئوية الثانية إلى سردية للمستقبل وليس الماضي، تستكشف الفرص والتحديات، وتبني مقاربات واقعية، لأن الوعي الجمعي المتراكم لدى الأردنيين يقوم في جانب كبير منه على مبالغة مفرطة في تقدير عناصر القوة والضعف، استنادا لرواية تاريخية تفتقر للواقعية وتعتمد الأسطورة بدلا من الحقائق العلمية والتاريخية.التعريف السائد للأردن كدولة وكيان وتشكيل اجتماعي، تعريف تقادم فما كان يصلح لقرن مضى لن يكون نافعا لقرن جديد، هذا ليس شأنا أردنيا خاصا أو استثناء عالميا، الدول كلها تعيد تعريف أدوارها وفقا لمتغيرات هائلة اجتاحت العالم في العقود الأخيرة. فمن كان يعتقد قبل عقدين من الزمن أن الأمن السيبراني سيكتسب هذه الأهمية في حياة الدول والشعوب؟ ومن تخيل أن الثورة الرقمية ستفعل كل ما فعلته في الكون من حولنا؟المطلوب في هذا الصدد، لجان متخصصة تطلق العنان لخيالها لتستشرف عالما جديدا يواكب قدر المستطاع المتغيرات من حولنا، وترسم ملامح الأردن في القرن الجديد. خبراء متحررون من قيود الواقع الحالي، لكنهم واقعيون في تقدير المستقبل دون مبالغة أو إفراط.نعم الدول تتغير وعلينا أن نستعد للتغيير الشامل في المئوية الثانية.الغد
مشاركة :