ان الخطب لجلل، وان المصاب لعظيم، في فقد شخص في قامة العم الشيخ الدكتور القاضي سليمان بن قاسم، فهو خسارة كبيرة، ليست علينا نحن اهله الاقربون، بل على كل من عرفه واحبه، وعلى كل مجتمع فيفاء داخلها وخارجها، فهو من الناس المؤثرين، رحمه الله وغفر له، ولولا ان الموت حق وسنة من سنن الحياة، تجعل الانسان المومن يحتسب ويصبر، يقول تعالى (كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام)، ولنا خير العزاء واحسنه في خير البشر، وسيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فبعده يهون كل فقد وكل مصاب. إن العم سليمان بالنسبة لي ليس عم شقيق للوالد رحمهما الله، بل هو حبيب وصديق ومستشار ومعلم، كنت اجد فيه كل ما ينقصني من خيري الدنيا والدين، انسان كريم سخي جواد، ومؤمن تقي زاهد عالم، تجد في رحابه وفي صحبته الخير المادي والمعنوي، تشعر في معيته بالسعادة والراحة والطمأنينة، رفيق سفر وانيس حضر، كم رافقته في اسفار وجولات متعددة، داخل المملكة وخارجها، وكم كنت اجد منه كامل العناية والتقدير، فلا تشعر معه بالهم ولا بالتعب والارهاق، وينسيك بلطفه وحسن تعامله عناء السفر ومشقته، رفيق يراعي صاحبه في كل الامور، ويسعى دوما بكل وسيلة إلى راحته قولا وفعلا، كم ترافقنا مئات المرات، من اكثر من خمسين سنة، في جولات متعددة لا تمل فيها رفقته، بل وتتمنى انها لا تنتهي، وان الرحلة لا تنقطع، امير سفر لطيف يحسن الترتيب والتخطيط، واستغلال الوقت في كل مفيد، يتواصل مع كل الاقارب والاصدقاء والاصحاب، لا يفتر ولا يتعب ولا ينسى احد من زياراته، وفي التواصل معهم بكل الوسائل الممكنة، فهو ذو قلب كبير وبر وحدب، وعزم وعزيمة لا تكل ولا تتعب. شخصية متكاملة، في علمه وخلقه وفضله، وحسن تعامله، كريم جواد سمح، بار بوالديه رحمهما الله، ومحسن إلى اخوانه واهله، وفي حسن المعشر مع كل الناس، خدوم لكل من حوله، تخجل من لطفه وتواضعه، ولا تستطيع مكافاته مهما فعلت ومهما حاولت، جزاه الله كل خير، ورفع من درجاته، واعلى من مقامه، وثقل في موازينه، ورفعه في عليين، مع الشهداء والانبياء والصديقين. عالم جليل بذل عمره ووقته في طلب العلم، لا تجده في بيته إلا بين كتبه ومذكراته، يقرأ ويكتب ويسجل، ويحث الاخرين على الاقتداء بفعله، ويشجع كل طالب علم، وكل باحث، وكل سائر في دروب العلم ومسالكه، ينفحك بتشجيعه ونصحه ودعمه، كانت له دروس لا تنقطع، يرتبها في معظم ايام اسبوعه، في مساجد حيه وفي مجتمعه، ويؤلف ويكتب في كل العلوم، الشرعية والادبية والتاريخية، وكانت له مكتبة زاخرة بكل العلوم، وعامرة بالآلاف من الكتب والمجلدات، وعندما زرنا السودان قبل حوالي ست سنوات، لمرافقة الاخ الدكتور احمد بن علي، في اثناء مناقشته للدكتوراه، صحبته اثنائها في زيارته لجامعة افريقيا في الخرطوم، وهي جامعة اهلية اسلامية، كثيرة الشبه بالجامعة الاسلامية في المدينة المنورة، تتيح الفرصة للبعثات الطلابية، من قارة افريقيا ومن جنوب شرق اسيا، للدراسة فيها وطلب العلم، وتهيء لهم اسباب الراحة من السكن وغيره، والدراسة المتخصصة في العلوم الشرعية والحديث، وفي اللغة والاجتماع والطب، وكثير من العلوم النافعة، فلما قابلنا مدير هذه الجامعة، وبعض من الاداريين واعضاء هيئة التدريس، ووجد انه ينقص مكتبة كلية الشريعة والقانون فيها، الكتب والمراجع البحثية، لذلك تبرع لهم بكامل مكتبته في مكة المكرمة، وسلمها بعد عودته لمندوب الجامعة في المملكة، الذي قام بإرسالها إلى الجامعة، جزاه الله خير الجزاء، ورفع بها من درجاته. ومع ان المجال ليس مجال تعداد لفضائله واعمالها وتميزه، وانما هو من باب التنفيس عن ما اجد، من الم الفقد وفداحة المصاب، ومن باب ذكر بعض محاسنه، وقد سبق أن كتبت عن سيرته الكاملة، والحمد لله على حسن خاتمته، وجميل ثناء الناس عليه، فمن خلال ما راينا من شهود جنازته، ومن اتصال المعزين بنا وبأولاده، ومن رسائلهم وتعازيهم في الصحف ووسائل التواصل، لهو خير عزاء لنا، وخير شاهد على مكانته في قلوب الناس ممن عرفه وعاشره، (فعن انس رضي الله عنه قال : مرُّوا بجنازةٍ فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت، ثمّ مرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت، فقال عمر بن الخطاب : ما وجبت ؟ قال : هذا اثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا اثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض)ـ(متفق عليه)، اللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عنه، واعصمنا من بعد بالصبر والسلوان، ولا تفتنّا من بعده، واحسن عزائنا، وعزاء ابنائه واهله واصدقائه ومحبيه. إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا عم سليمان لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، انا لله وانا اليه راجعون، رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له وتجاوز عنه، واسكنه فسيح جناته، ورزقنا واهله وذويه وصحبه جميل الصبر والسلوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا تفتنا بعده واغفر لنا وله، ولوالدينا ولوالديكم، ولموتانا وموت المسلمين. وجزا الله خيرا كل من اتصل او نشر تعزية ومن دعا له وترحم عليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الرياض في 27/5/1442هـغرِّدشارك هذا الموضوع:انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :