لا أشك لحظة أن الكثيرين منّا معجبون بالأستاذ محمد حسنين هيكل، كصحفي وكاتب سياسي، له دور بارز منذ أيام الثورة المصرية عام 1952م، وزاده شهرة وفّرت الثقة فيه أن كان يكتب وهو قريب من رئيس الدولة، مطّلع على سياستها، ثم استمر وهجه بعد ذلك حينما أصبح محللاً لوثائق سياسية احتفظ بها من تلك الفترة، وأثناء مناصبه الإعلامية القريبة من السلطة، ولكن مع تقادم الزمن، وبعد أن أفرغ الأستاذ مخزونه من المعلومات السياسية المعتمدة على تلك الوثائق، ومع تقدّمه في السن، أصبح لا يملك الكثير من المعلومات ليتحدّث عن واقع سياسي لم يعد هو جزء منه، ومَن يعتقد اليوم أن للأستاذ معرفةً بساسة العالم وواقع سياسات الدولة مثل الأستاذ طلال سليمان صاحب جريدة السفير القريب من حزب الله، والمؤيد لسياساته فهو مخطئ ولاشك، فالأستاذ انعزل عن الحياة بحكم تقدّمه في السن، ووهن قواه، وقد أجرى الأستاذ طلال سليمان حوارًا مطوّلاً مع الأستاذ هيكل نشره قبل أيام في جريدة السفير، ومَن قرأه سيجد ما قلته عن الأستاذ صحيحًا، فالأستاذ طلال يصف علاقة الأستاذ بإيران قائلاً: إنه من أوائل من حاوروا الخميني بمنطق المتفهم والمساند، ولكن من موقع عربي، ويظهر هنا انحياز الأستاذ طلال إلى إيران الخمينية، وجاءت أحكام الأستاذ بعيدة عن الواقع كل البعد، فهو يقول: لو كان هناك سلاح اقتصادي قد يؤذي إيران لكان أذاها في السنوات التي اشتد فيها الحصار الاقتصادي، في إنكار غير مسوغ لواقع دفع إيران لتوقيع اتفاق جلّه في غير مصلحتها لتخلص من هذا الحصار، ثم عاد واعترف بأن إيران أصبحت اليوم -كما زعم- وحدها في الإقليم، وليس لها حلفاء طبيعيون لما تمثله الآن، ثم جاء حكمه الآخر منافيًا للواقع تمامًا، حينما قال: قتال حزب الله في سوريا للدفاع عن نفسه، وليس في معركة إثبات نفوذ، إذن هو بحالة دفاع عن النفس في سوريا لأنه مستهدف، ولكنه لا يحدّثنا عن الذين يستهدفونه، ولا يزال الرجل يردد مع الواهمين أن حزب الله مقاوم، حتى أنه أراد أن يحشر مصر في ذلك بغير رغبة منها بأنها تستفيد من كل بؤرة مقاومة معطّلة لتسوية شاملة في لحظة ضعف العالم العربي وتهاويه، ويرى أن إيران حركة تمرّد في وجه الهيمنة الأمريكية، رغم أن الواقع لا ينبئ بذلك، فإيران دائمًا وأبدًا تهادن أمريكا، لتستطيع أن تصل إلى مطامعها في أراضي الجوار العربي الذي ظل دومًا مطلبها الأساس المعلن، ثم فجأة ودون مقدمات قال: سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن، وأخذ يقارن بين حرب عبدالناصر في اليمن، وما تقوم به المملكة، ودول التحالف لإنقاذ اليمن مقارنة ينحي فيها باللائمة على ما تفعل السعودية لإنقاذ اليمن من مصير مجهول لو استولى الحوثيون على السلطة فيه، ويردد مقولة له قديمة: إن السعودية استولت على محافظتين من اليمن، لعداء يكنّه لهذا الوطن منذ زمن بعيد، لا يبنيه على أسس حقيقية، فالسعودية أقرب الدول إلى بلده مصر منذ عهد عبدالناصر وحتى اليوم، ورغم أنه مرت فترة خلاف يسيرة، فما كان له أن يردد مقولات لم تثبت تاريخيًّا كهذه المقولة. ويسوق مزاعم لا يدعمها الواقع مثل أن حزب الله ليس جزءًا من المشروع الإيراني، ثم يتناقض حينما ينسب لإيران دورًا في وجوده وتوجيه سياسته، ثم يزعم أن لا دولة حقيقية في المنطقة إلاّ مصر وإيران، وهي سقطة منه لا يمكن تبريرها، فحتى مزاعم أن مصر لها حضارة فرعونية قديمة، وأن إيران كما يتوهّم لها حضارة فارسية، إلاّ أن الدول لا يحكم بها بماضيها، وإنما بحاضرها، وتفاعلها مع الحضارة الآنية، لا البحث عن مفاخر في الماضي، ورغم علمي أن المصريين لا يؤيدون الأستاذ في عدائه لبلادنا، وهي أحب بلاد العرب إليهم مهما حاول في كل لقاء صحفي أن يسيء إلينا. أظهر هيكل انحيازه لإيران وسياساتها، رغم أنه آتٍ من ماضٍ كان له زعيم عربي معادٍ لإيران، يعرف مطامعها في أراضي العرب، ويقف في وجهها، ولم يغير سياسته هذه حتى لقي ربه. فهلا ترّيث الأستاذ واستعاد ذاكرته، وحاول أن يخدم قضايا أمة تشهد عداءً مستمرًا تجاهها من الغرب ومن الشرق، ومن داخلها ممّن ينحازون ضدها متوهمين أن خدمة أعدائها ستعود عليهم بنفع، فهل سيفعل؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com
مشاركة :