يقول الباحث الفرنسي فرنسوا ديباي: المدرسة ليست إطارا لتلقين العلوم والمعارف فحسب، بل إنّ لها وظيفةً أساسية ً تتمثّل في صنع المواطن، فهي مؤسّسة إدماج اجتماعي وإطار ملائم لبناء الهويّات الفردية والجماعية لتلاميذ اليوم-مسؤولي الغد وإكسابهم القدرة الاندماجية في المجتمع، وإنّ وظيفة إسناد الشهادات التي تقوم بها المدرسة، يجب أن تسير بالتوازي مع وظيفتها القيميّة. والحقيقة أن التربية في عصرنا تتخذ أبعادا متعددة، تجمع بين التعليم المدرسي والتعلّم مدى الحياة وامتلاك المهارات الحياتية والخبرات المدنية، والوعي بالقيم الوطنية والاجتماعية والأخلاقية والسلوكية، ولم يعد من الممكن، في هذا السياق الفصل بين المعارف النظرية والممارسات العملية، كما لم يعد من الممكن أن يكون التعليم بمعزل عن القيم السلوكية وعن الإبداعات بمختلف أنواعها، وعن تربية المواطنة في بعدها الشمولي الذي يتضمن حضارة الوطن والاعتزاز بتراثه وإنجازاته بين الأمم. فالعصر الذي نعيشه لم يعد من الممكن الفصل فيه بين التربية والتعليم بأي حال من الأحوال لأنهما وجهان لعملة واحدة يكمل أحدهما الثاني، ومن هنا تأتى أهمية تعليم أبنائنا الأسس والقيم السليمة لتوظيف جهودهم وإبداعاتهم في مختلف القضايا الحياتية التي ترتبطهم بمجتمعهم وبانتمائهم إلى الوطن وبيئته وتراثه. ولا شك أن دور المدرسة في هذا السياق يبقى مهما وحيويا في تنفيذ هذه التوجهات، من خلال برامجها وما تتضمنه تنشئة تربويّة، تعمل على غرس قيم الحداثة والتنوير والتنمية والتسامح والتضامن واحترام الآخر والعيش المشترك، كما عليها أيضا أن تعمل في ذات الوقت على تعزيز مشاعر الانتماء للوطن و الولاء له، وذلك لأن المدرسة ليست مجرد فضاء للعلم فحسب، بل هي أيضا فضاء لبناء المواطنة وتجديد الذات الحضارية، مما يجعل الجهد التربوي الذي تضطلع به وزارة التربية والتعليم وجميع مؤسساتها التعليمية والتربوية حيويا، فتثبيت قيم المواطنة والسلوك المدني لدى أفراد المجتمع يعطي مشروعيّة للثقة في المواطن للمشاركة الفاعلة والمؤثّرة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
مشاركة :