برناردينو ليون دبلوماسي إسباني من طراز فريد، فهو رجل المهام الصعبة الذي يمتلك الصبر والمرونة والحسم في الوقت نفسه، ولهذا تم ترشيحه في يوليو/تموز 2011 ولمدة ثلاث سنوات كمبعوث خاص للاتحاد الأوروبي إلى دول الربيع العربي، ثم في سبتمبر/أيلول من العام الماضي كمبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا. ربما يعود ولع ليون بالمنطقة العربية إلى مكان نشأته، حيث ولد في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1964 بمدينة ملقا على البحر المتوسط، والتي كانت من أهم وأقدم المدن في الحكم الأندلسي الإسلامي لإسبانيا، ولعل ذلك هو ما ساعده على مهمته، حيث نجح وبجهود دبلوماسية جبارة وبمساعدة مصرية في تحقيق نجاح في الملف الليبي، عندما توقع الكثيرون فشله، واستطاع التوصل لاتفاق الصخيرات بالمغرب لبدء تشكيل حكومة وفاق وطني ليبية، وفي الحوار الذي ننشر نصه تالياً، أكد ليون أن هناك دفعاً لتشكيل حكومة وحدة ليبية قبل اجتماعات الأمم المتحدة نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وحذر من أنه إذا كان الليبيون على استعداد لترشيح أسماء لحكومة الوفاق الوطني، فعليهم تقديمها الآن والتوصل لاتفاق، وإلا فإن المجتمع الدولي سيقول في اجتماعات الأمم المتحدة هذا يكفي، ويجب أن نفكر في حلول أخرى، وأوضح أن محاربة داعش بليبيا تبدأ من تشكيل حكومة الوفاق، ثم بعدها يتم إزالة حظر التسلح، ولهذا فإن عامل الوقت مهم. وأكد أنه لا تزال هناك فرصة وشعور بالتفاؤل يمكن البناء عليهما خلال الأيام القليلة المقبلة. { هل تعتقد أنه واقعياً يمكن تشكيل حكومة الوفاق الوطني في ليبيا قبل عقد اجتماعات الأمم المتحدة نهاية سبتمبر المقبل، كما سبق أن صرحت بذلك في ظل مرور أربعة أسابيع منذ توقيع اتفاق الصخيرات من دون تحقيق تقدم يذكر؟ - اختلف معك في أنه لم يحدث شيء على مدى الأربعة أسابيع، لقد استأنفنا المباحثات مع كل الأطراف في جنيف الأسبوع الماضي، وأعتقد أنه من المهم التعامل مع كل المخاوف لكل الأطراف، ولابد أن يكونوا جميعاً مشمولين بالتفاوض، فلا يجب فقط التعامل مع مخاوف مجموعة من دون الأخرى. وقد أجرينا مناقشات مع المؤتمر الوطني العام، وكان لديهم بعض الملاحظات التي آمل أن يتم التطرق إليها ككل الملاحظات الأخرى من الأطراف المختلفة، فالأمر لا يتعلق بالميل ناحية طرف دون الآخر. ونحن نبحث الآن تشكيل الحكومة والأسماء، ولدينا الحوار السياسي بين عدد من المجموعات السياسية وأيضاً لدينا مباحثات بين أطياف أخرى مثل الجيش الليبي والميليشيات المختلفة، وكلهم يجب أن يكونوا جزءاً من الحل، ونريد التأكيد أنه لا يوجد حل عسكري في ليبيا، بل يوجد حل سياسي يجب أن يشاركوا فيه، وفي نهاية اليوم عليهم قبول القرارات التي سيتم اتخاذها من الأطراف السياسية. { هل يمكن تشكيل تلك الحكومة بالفعل خلال الأيام المقبلة؟ - هذا سؤال لا أستطيع الإجابة عنه، فدوري هنا هو أن أوضح أن هذه الجداول الزمنية ليست صناعية، فأنا لا أتحدث هنا عن برنامج زمني غامض، بل نحن نريد تطبيق الاتفاق خلال الأيام المقبلة، ويجب أن يكون الأسبوع الأول من سبتمبر هو الحد الزمني، ثم نعمل في الأسبوعين التاليين على التصويت على المرشحين من المشاركين في الحوار، بحيث يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول الاجتماعات المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر. ومن المهم جداً تطبيق الاتفاق بسرعة، لأن ذلك الاتفاق سيتم تأييده من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد أجرينا مناقشات على مدى أشهر عديدة، وإذا كان الليبيون على استعداد لترشيح أسماء لحكومة الوفاق الوطني، فعليهم تقديمها الآن والتوصل إلى اتفاق، وإلا فإنني متأكد أنه إذا لم يكن لدينا اتفاق عندما نصل إلى 21 سبتمبر، موعد بدء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن المجتمع الدولي سيقول هذا يكفي، ويجب أن نفكر في حلول أخرى وأن هذا الحل السياسي الذي نسير فيه منذ فترة لم يعد يجدي. { كيف تنظر إلى قرار الجامعة العربية بالإجماع حول مساندة ليبيا في مكافحة الإرهاب، وخاصة داعش؟ - أعتقد أن هذا القرار تعبير عن القلق العربي من تزايد خطر داعش في ليبيا، وهو قلق يشاركهم فيه باقي المجتمع الدولي، لكنني ما زلت أعتقد أن السلاح الوحيد الفاعل الذي نملكه ضد داعش على المدى القصير هو وحدة الليبيين، وبالتالي ما زلت آمل أن يصبح الاتفاق السياسي بوابة من أجل تحركات أقوى ضد داعش، ولهذا فإن هذا سبباً آخر لليبيين ليفهموا أنهم لا يستطيعون الاستمرار في إضاعة الوقت انتظاراً للقائمة الأفضل من الأسماء المطروحة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، الآن هو الوقت المناسب لتشكيل حكومة الوفاق لأنه فقط تلك الحكومة تستطيع البدء في الأسابيع المقبلة بالسير قدماً بفاعلية ضد داعش. { كيف ترى مطالب بعض الأطراف الليبية بمطالبة الأمم المتحدة بالسماح بتوجيه ضربات جوية عربية ضد داعش خصوصاً أن بعض الدول العربية لديها سوابق في ذلك مثل مصر بعد حادث ذبح داعش لعدد من المصريين الأقباط؟ - إن ما سمعته من وزير الخارجية المصري سامح شكري أن مصر تؤيد الحل السياسي كأولوية وأعتقد أن مصر تشارك في الرؤية من خلال الاتفاق السياسي والقرارات التي ستتخذها حكومة الوفاق الوطني، فسنكون أكثر فاعلية في محاربة داعش. بالطبع إذا كان الليبيون لا يريدون اتفاقاً أو العمل معاً، ويريدون بقاء دولتهم منقسمة، فإن هذا الانقسام يعطي داعش فرصة للتمدد، والمجتمع الدولي سيكون عليه وقتها النظر في حلول أخرى، لكن دعونا نركز الآن فلا تزال لدينا الفرصة بهذا الاتفاق، وهناك شعور بالتفاؤل وقوة دفع وعلينا أن نبنى عليها. { هناك تخوف من أن الانتظار حتى الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني قبل رفع الحظر عن تسليح الحكومة الليبية الحالية يؤدي لفقدان الوقت، بينما داعش تتمدد فعلياً على الأرض خصوصاً في سرت، فكيف ترى ذلك؟ - أعتقد أن هذا سؤال يجب الإجابة عنه من قبل مجلس الأمن، وانطباعي أن مجلس الأمن عندما يستمع لتصريحات من لاعبين ليبيين لا يقتنعون، فبعض الأصوات الليبية مثلاً تقول نحتاج إلى الأسلحة لمحاربة تنظيم فجر ليبيا، وبهذه الطريقة لن يقنعوا أي أحد بالحصول على الأسلحة. وأعتقد أنه لهذه الأسباب، فإن معظم اللاعبين الدوليين يعتقدون أنه أولاً يجب أن يكون هناك اتفاق سياسي بين كل المشاركين في العملية السياسية، وعندما يتفقون جميعاً على حكومة وحدة وطنية يمثل فيها الجميع، فستكون تلك هي اللحظة المناسبة من أجل سؤال الحكومة الليبية حول كيفية السير في هذا الأمر. لكني أؤكد أن هذا ليس قراري، فمسؤوليتي فقط في مساندة حوار سياسي، ولكن انطباعي هو أن المجتمع الدولي يعتقد أن الاستقطاب الحالي ليس هو إطار العمل الأفضل لهذه المساندة العسكرية، بل سيكون من الأفضل الانتظار حتى تشكيل حكومة وحدة وطنية ثم رفع الحظر عن التسليح. { كيف تنظرون إلى أهمية الدور المصري في مساندة ما تقومون به من جهد في إطار الحل السياسي؟ - مصر لعبت دوراً مهماً جداً وتستمر في لعب دور مهم جداً في مساندة الحل السياسي الذي يتضمن كل الأطراف الرئيسية في ليبيا، والحل السياسي هو البديل المعقول الوحيد، وأريد أن أوجه من خلال حديثي الشكر والامتنان من جانب الأمم المتحدة للدعم المصري، حيث تعتبر مصر لاعباً إقليمياً ودولياً أساسياً، ودولة جارة لليبيا، وأعبر عن امتناني للدور المصري الداعم الذي لعبته ومستمرة في لعبه في الملف الليبي، وأنا عن نفسي أكن حباً كبيراً لمصر، حيث زرت مصر لأول مرة منذ خمسة وعشرين عاماً، ومنذ ذلك الحين وقعت في هواها وزرتها عشرات المرات. { هل تعتقد أنه في حالة نجاح تشكيل تلك الحكومة سيخلد ذلك اسمك كدبلوماسي ناجح، لأنه عندما بدأت جهودك منذ نحو عام في 1 سبتمبر 2014 تنبأ الجميع لك بالفشل بسبب تعقد الموقف في ليبيا؟ - إنني مجرد دبلوماسي متواضع، كما أن الأمم المتحدة منظمة متواضعة، ونحن لا نعمل من أجل نجاحات شخصية، بل نعمل من أجل نجاح الليبيين، وما نريده هو أن يعود الليبيون إلى مسار بناء دولتهم وإدارة أمورهم، وإلى الإجماع والشمولية، ولا نعتقد أن لدينا حلاً سحرياً لكل شيء، لكننا نعتقد أن هذا الاتفاق يمكنه أن يكون نقطة الانطلاق. وقد ذكر وزير الخارجية سامح شكرى عند لقائنا السبت الماضي أن هناك مقولة صينية تؤكد أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وسيكون الاتفاق على حكومة الوفاق الوطني الليبية بناء على اتفاق الصخيرات خطوة مهمة لتجميع الجميع حول المائدة، لكنه أمر لن يحدث في الحال. فمازال أمامنا جهد نبذله، وبالتأكيد فإنه سيكون نجاحاً ليبياً عندما يأتي اليوم الذي ستشارك فيه كل الأطراف التي لديها ميول سياسية وليست إرهابية أو متشددة تبغي استبعاد الأطراف الأخرى في العملية السياسية، وهذا حقيقة هو الأمر الأهم. ليون في سطور - ولد برناردينو ليون في 20 أكتوبر 1964 بإسبانيا في بلدة ملقا، التي تقع على البحر المتوسط شرق مضيق جبل طارق، وتعد من أقدم المدن الأوروبية، حيث أسسها الفينيقيون منذ 2500 عام، وكانت تسمى مالاكة، أي الملح قبل أن يحول العرب اسمها إلى ملقا، وهي البلدة نفسها التي ولد بها الرسام الشهير بابلو بيكاسو. - تخرج في جامعة كينغزكوليدج لندن ومتزوج ولديه ثلاثة أولاد. - التحق بالعمل الدبلوماسي الإسباني عام 1989 حيث عمل في ليبيريا والجزائر واليونان. - تخصص في الشؤون العربية وعلاقة العالم العربي بالغرب ولديه عدة كتابات في هذا الشأن. - عمل مستشاراً شخصياً للممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام بالشرق الأوسط من 1998 إلى 2001. - عمل بعدها وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم السكرتير العام في مكتب رئيس الوزراء ثم مستشاراً خاصاً لمجموعة العشرين في 2009. - عمل من 2011 إلى 2014 في منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لدول جنوب المتوسط. - أصبح من سبتمبر 2014 مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا. (ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة)
مشاركة :