عقاب أم مكافأة؟ - يوسف القبلان

  • 8/29/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

فرنسي يتلقى 5 آلاف يورو شهرياً مقابل البقاء في بيته بلا عمل. هذا عنوان خبر قرأته في (الرياض) وهو عن عامل في شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية رفع دعوى قضائية على شركته لأنها تصرف له راتباً قدره خمسة آلاف يورو شهريا لمدة 12 عاماً مقابل بقائه في البيت دون أن يؤدي أي عمل. العامل قادر على العمل ولهذا رفع الدعوى من أجل الحصول على تعويض لأن هذا الوضع حسب رأيه منعه من تطوير مهاراته الفنية. سبب المشكلة أن رئيسه قرر إبعاده عن العمل في 2003 بعد ما قام بتسريب معلومات عن عملية تزوير يشتبه بها في فواتير بقيمة 20 مليون يورو. وهنا يقال إذا عرف السبب بطل العجب. ويقال أيضاً إن وضع هذا العامل هو أمنية لبعض العاملين والموظفين. يضاف إلى ذلك وجود من يحضر إلى مقر العمل ولكنه بلا عمل وهذا وضع لا يسر الجميع. من يبحث عن تطوير المهارات وإثبات الذات والمشاركة في المسؤوليات لن يرضى أن يكون بلا عمل. وفي المقابل هناك من يغبط العامل الفرنسي على حالته. وفي بيئة العمل هناك من لديه عمل لكنه لا يتطور ولا يبحث عن التطوير أو التغيير، الرضا الوظيفي بالنسبة له هو الاستقرار والابتعاد عن المقاعد الساخنة. وهناك من يلاحظ وجود خلل أو ممارسات غير نظامية ويقرر الصمت خوفاً من فقدان الوظيفة. وهناك من يبحث عن الأخطاء والمخالفات لإيقافها مهما كان الثمن. في بيئة العمل فروق فردية وأنماط سلوكية مختلفة وهذا أمر طبيعي ومسؤولية المدير هي توظيف قدرات الموظفين في المواقع المناسبة وإيجاد فرص للتدريب والتطوير والمشاركة مع أصحاب الخبرة، مع الأخذ في الاعتبار أن مسببات الرضا الوظيفي تختلف من شخص لآخر. في حالة العامل الفرنسي يلاحظ أنه انتظر 12 عاماً ثم قرر أن يحتج ويرفع الدعوى على الشركة. ما سر هذا الانتظار الطويل؟ وهل شعر بالملل أم هي صحوة ضمير؟ وهل ما حصل له عقاب أم مكافأة؟ إنها حالة إدارية في مجتمع آخر لكنها حالة يمكن أن تحدث في أي مكان. وهي حالة مرتبطة بالفساد، ويبدو أن هذا العامل استسلم لمراكز القوى في الشركة ثم قرر بعد فترة طويلة الاحتجاج الأمر الذي يجعل موقفه ضعيفاً. من المعروف أن إحدى العقوبات الإدارية المتبعة في دول متعددة النقل إلى مواقع نائية، أو إلى إدارة أخرى، أو تأخير الترقية. وبعض المديرين إذا أراد نقل موظف إلى إدارة أخرى أو أحد الفروع فإنه يسلط عليه مجهر النقد ويتصيد أخطاءه ويضخمها تمهيداً لاتخاذ قرار النقل، أو الضغط على المرؤوس كي يستقيل وينتقل إلى جهة عمل أخرى خاصة إذا كان لا يجامل في إبداء الرأي ولا يخفي الأخبار غير السارة، ولديه الشجاعة والثقة ليقول (لا). أما حالة العامل الفرنسي فقد يكون الحق معه لأنه كشف حالة تزوير، لكن القصة لا تكتمل إلا بسماع الطرف الآخر. العبرة هنا أن مثل هذه الحالات لا تقبل التأجيل وأن أخلاقيات العمل ركن أساسي في أي بيئة عمل. وهناك حقوق وواجبات وأنظمة تحقق التوازن بين مصلحة المنظمة ومصلحة العاملين سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص. ومن واجبات الموظف أن يعمل بإخلاص وأن يكشف الأخطاء وأن يواجه الفساد بكل شجاعة مستنداً إلى الأنظمة والقوانين التي تحكم هذه الأمور وتتولاها جهات رسمية. وأخيراً كان البقاء في البيت براتب وبدون عمل بالنسبة للعامل الفرنسي نوعاً من العقوبة أو المكافأة مقابل الصمت، ولكنه تقبلها لمدة 12 سنة ما يفسر بأن الراتب بدون عمل هو مقابل سكوته. فهل هذا ما حصل؟ على أي حال، في عصر التقنية إذا قال لك رئيسك: يمكنك أن تعمل من البيت فلن تقلق لأنك تعرف ماذا يقصد.

مشاركة :