«لم آت إلى هنا من أجل تكوين صداقات»، «أتيتُ إلى العمل وحسب» أليست هذه بعض الجمل الكثيرة التي تتواتر على مسماعنا، وكأن قائليها يدفعون عن أنفسهم تهمة تكوين العلاقات الشخصية في العمل؟ لكن هل الأمر خطير إلى هذه الدرجة؟ وهل تؤثر الصداقات أو العلاقات الشخصية بشكل عام في أدائنا ودرجة مهنيتنا؟ ليس من الصواب تقديم إجابة قاطعة عن هكذا تساؤلات؛ إذ إن موضوع العلاقات الشخصية في العمل من الموضوعات الشائكة، والتي تنطوي على جدل كبير، وثمة طرفان في المسألة ما بين مؤيد لتكوين صداقات في العمل أو رافض لها، ولدى كل طرف منهما أسباب ودوافع تبرر وجهة نظره. ليس بإمكاننا، على المستوى الأول من التحليل، إلا أن نقدم جردًا لوجهتي النظر هاتين، عامدين إلى الإشارة لسلبيات وإيجابيات تكوين العلاقات الشخصية في العمل. لكن قبل ذلك، اسمح لنا أن نشير إلى بعض الوقائع المتعلقة ذات الصلة بالعلاقات الشخصية في العمل والتي تشير إلى خطورة ما نحن بصدده، ففي عام 2005 أُجبر هاري سي ستونسايفر على الاستقالة من رئاسة شركة “بوينج” العملاقة في مجال الطيران بسبب علاقة مع مسؤول تنفيذي في الشركة. وفي ربيع 2007 طُرد بول وولفويتز؛ رئيس البنك الدولي، بعد اتهامه بترتيب زيادة كبيرة وترقية لامرأة كان على علاقة معها. وفي أواخر مايو من العام ذاته، تم عزل المدير المالي في شركة التأمين الصحي WellPoint بسبب سلسلة من العلاقات الرومانسية المزعومة التي انتهكت قواعد سلوك الشركة. اقرأ أيضًا: صفات مدير الموارد البشرية.. القلب النابض للشركاتإيجابيات العلاقات الشخصية في العمل الأمر إذًا خطير، لكن ما مدى فائدة وضرر العلاقات الشخصية في العمل؟ إليك الجواب مفصّلًا من «رواد الأعمال» وذلك على النحو التالي..بيئة عمل صحية من شأن تكوين العلاقات الشخصية في العمل _وجب التشديد هنا على أن نقصد العلاقات بشكل عام_ أن يوفر بيئة عمل صحية؛ إذ ستنتفي هنا العداوات والمشاحنات التي قد توجد في بيئات العمل الأخرى، التي يغيب عنها الطابع الشخصي، فضلًا عن أن مثل هذه البيئة التي تحول الزملاء إلى أصدقاء ستكون أكثر دفئًا ومرحًا. علاوة على أن التوافق هنا أمر سهل الإدراك، فإذا كان جميع الموظفين أو أغلبهم أصدقاء أو تجمعهم علاقة شخصية ما، فمن المحتمل أن يغيب عنهم الصراع والتناحر الذي لا طائل منه، ولا يسبب سوى الإرهاق. اقرأ أيضًا: كيفية اجتياز مقابلة العمل.. تخطي المرحلة الصعبةالدعم النفسي تساعد العلاقات الشخصية في العمل أيضًا الزملاء أو بالأحرى الأصدقاء في تخطي أزماتهم النفسية، وتقلباتهم المزاجية المخلتفة؛ سيكون الجميع عونًا للجميع. وتلك فائدة لا تُقدر بثمن. وخلصت دراسة أجنبية إلى أن 58% من الرجال سيرفضون الوظائف ذات الأجور الأعلى إذا كان ذلك يعني أنهم لن ينسجموا مع زملائهم في العمل، و 74% من النساء قلن الشيء نفسه أيضًا. هذا الطرح يمكن أن يقودنا إلى القول إن العلاقات الشخصية في العمل _طالما هي توفر الدعم النفسي_ تعمل على رفع معدل الإنتاجية، فإذا كنتَ اليوم مهمومًا أو مكتئبًا فما عليك سوى أن تميط اللثام عن قلبك لأصدقائك في العمل، وتدعهم يتعاملون مع أحزانك ومسببات اكتئابك؛ ما يعني أنك ستعود إلى العمل الجاد عاجلًا غير آجل. اقرأ أيضًا: 5 أهداف لإدارة الموارد البشريةإيجابيات ولكن! طبيعي أن تكون أعجبتك الطروحات الفائتة، لكن هل أتينا إلى العمل من أجل ذلك؟ هل نعمل من أجل الدعم النفسي؟ أو من أجل الحصول على بعض المرح؟! إننا لا ننكر أن هذه مطالب مشروعة، لكن ليس العمل هو مكانها الصحيح، فلكل مقام مقال، كما أن من يأتي إلى العمل من أجل الثرثرة أو تجاوز بعض أزماته النفسية فمن المرجح أنه سيفلح في إدراك غايته تلك، لكن لن يظفر بنجاح يُذكر في حياته المهنية. إليك إذًا الوجه الآخر من العلاقات الشخصية في العمل، وهو جانب تقتضي منا الأمانة الإشارة إليه.الإلهاء وضعف الإنتاجية هناك مشكلة رئيسية أخرى تتعلق بوجود أصدقاء في العمل وهي الإلهاء المحتمل الذي يمكن أن يحدثوه؛ سيؤدي ذلك إلى انخفاض الإنتاجية إذا كانوا يصرفونك باستمرار بعدد لا نهائي من الأسئلة حول ما منه جدوى وما هو غير ذلك. إذًا تثير العلاقات الشخصية في العمل الكثير من المخاوف بشأن الإنتاجية الفردية، خاصة أن إلهاء الأصدقاء في بيئة العمل من أكثر أنواع الإلهاء التي يصعب التعامل معها أو وضع حد لها. اقرأ أيضًا: ثقافة اليابانيين في العمل.. ملامح أساسيةالمحاباة وفقدان الشفافية إذا ارتبط المدير بعلاقة شخصية مع أحد موظفيه فهذا معناه أنه يدق بنفسه المسامير في نعش الثقة والنزاهة والشفافية، إن أحدًا لن يكون مطمئنًا أنه لن يطاله ظلم ما، طالما أن المدير تورط في علاقة شخصية مع أحد موظفيه أو بعضهم. ومن ثم، وكنتيجة لهذه العلاقات الشخصية في العمل، فلن يكون بوسع هذا المدير أو ذاك إمضاء قراراته، علاوة على أن الموظفين لن يأخذونها على محمل الجد؛ إنهم يشكون في الدوافع الكامنة وراءها.إطالة وقت الراحة الأصل في وقت العمل أنه للعمل فحسب، وأن الحصول على الراحة فيه أمر ثانوي، ويكون لبضع دقائق؛ لإعداد فنجان من القهوة أو تجديد نشاط الذهن، غير أن العلاقات الشخصية في العمل تقلب المحاجة رأسًا على عقب. فطالما أن زملاء العمل أمسوا أصدقاءً، وصارت لهم اهتمامات مشتركة، فالمؤكد جزمًا أن دقائق الاستراحات ستتحول إلى ساعات، وكل ذلك هدر للطاقة وإضاعة لوقت العمل. اقرأ أيضًا: زميل العمل السام.. صفاته وكيفية التعامل معه؟الإحباط لمغادرة صديق إن المؤسسات التي تتوفر على الكثير من العلاقات الشخصية في العمل تغيب عنها المهنية، حسب وجهة نظر المعادين لهذا النوع من العلاقات، فمثلًا إذا تم طرد أحد الأصدقاء لأي سبب كان فسترى أن بقية أصدقائه في حالة من الإحباط والغضب. وقد يلجأوون إلى التمرد، وفي أحسن الظروف لن يعملوا لأيام طوال، حتى يتأقلموا على غياب صديقهم ذاك.حل وسط أشرنا لتونا إلى إيجابيات وسلبيات العلاقات الشخصية في العمل وهو الأمر الذي قد يخلّف نوعًا من الإرباك، فهل نلجأ إلى تكوين صداقات في العمل أم نكف عن ذلك؟ في الواقع، الأمر متروك لك، لكن حقيق بنا أن نقول إن تكون العلاقات الشخصية في العمل أمر لا يجرّمه القانون ولا تمنعه مدونة السلوكيات المهنية، ما لم تكن لبعض الشركات اعتبارات فردية تخصها. إننا في عالم العمل اليوم نقضي وقتًا في العمل أكثر من الوقت الذي نقضيه في المنزل، وكنتيجة حتمية لذلك ستتشكل العلاقات، ولا يوجد في القانون ما يمنع زملاء العمل من الدخول في علاقات. ولكن الحل الوسط الذي نقترحه عليك أن تكون وسطيًا، فلا مانع من تكوين العلاقات الشخصية في العمل لكن بشرط أن تضع الحدود الكافية التي تضمن لك عدم تأثير هذه العلاقات في عملك وأدائك الوظيفي، فقد أتيت لتعمل في المقام الأول. اقرأ أيضًا: المدير المتنمر.. صفاته وكيفية اكتشافه أخطاء الزملاء في العمل وكيفية التعامل معها استخدام البريد الإلكتروني في إدارة الموارد البشرية
مشاركة :