تونس - تخيم على تونس في الذكرى السنوية العاشرة لثورة يناير/كانون الأول حالة من الإحباط واليأس في ظل وضع اقتصادي هو الأسوأ على الإطلاق مع ارتفاع معدلي البطالة والفقر ومع تراجع كبير في مستوى المقدرة الشرائية للمواطن اقترن بارتفاع مشط في الأسعار وضرر كبير بمختلف القطاعات الحيوية من السياحة إلى النسيج وصولا إلى قطاع الفوسفات الذي كان مصدر مهما لإيرادات الدولة من العملة الصعبة.وتحيي تونس هذه الذكرى للمرة الأولى تحت الإغلاق العام وهو أحدث إجراء اتخذته الحكومة أمس الأربعاء مع تسجيلها ارتفاعا قياسيا في عدد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا.وقد خلا الخميس شارع الحبيب بورقيبة القلب النابض للعاصمة التونسية من المتظاهرين وانتشرت فيه قوات الأمن، فيما حال الإغلاق التام بسبب تفشي وباء كوفيد-19 دون الاحتفال كما جرت العادة منذ عشر سنوات بذكرى سقوط نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.ونشرت قوات الأمن متاريس على طول الشارع وأغلقت الممرات الفرعية له في أول أيام الإغلاق التام الذي يستمر حتى الأحد القادم.ويتجول بعض الصحافيين والمصورين في الشارع الذي تجمع فيه في 14 يناير/كانون الثاني 2011 آلاف المحتجين المطالبين برحيل زين العابدين بن علي. واعتاد التونسيون العودة إليه كل سنة في مثل هذا التاريخ، غالبا للتذكير بمطالب الثورة. وقال أحد المصورين "ذكرى 14 يناير دون طعم" هذا العام.ويقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء الطالبي "كان من المفروض النزول للاحتجاج في شارع الحبيب بورقيبة (في وسط العاصمة التونسية) للمطالبة بالمزيد من العدالة الاجتماعية، لأن الحكومات التي تعاقبت منذ العام 2011 لم تهتم بهذا المطلب".ويستدرك "لكن يوم 14 يناير سأبقى في البيت للمرة الأولى منذ عشر سنوات، لأن الأزمة الصحية شديدة ويجب اتخاذ إجراءات قوية".وسجلت البلاد الثلاثاء 71 وفاة و3632 إصابة جديدة. وحذّر العديد من المسؤولين في القطاع الصحي من مشاكل في توفير أسرة الأكسيجين والإنعاش في عدد من المستشفيات في المحافظات.ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) منذ أسابيع للتظاهر والمطالبة بالتشغيل والتنمية في ولايات كبرى في البلاد على غرار صفاقس (وسط) وقفصة (غرب)، إلا أن المشاركة كانت ضعيفة وتم تأجيل بعضها.وكتبت صحيفة "لا برس" الناطقة بالفرنسية الخميس "يجب أن نكون جد متفائلين لكي نصدق أن تونس على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف الثورة".ويشعر العديد من التونسيين بالإحباط تغذيه نسبة البطالة المرتفعة والتضخم وتدهور القطاع الصحي. وفاقمت تداعيات الوباء الوضع الاقتصادي الصعب وخسرت البلاد عددا كبيرا من الوظائف.في 14 يناير/كانون الثاني 2011 وبعد أسابيع من احتجاجات سلمية كانت بدأت إثر إقدام بائع الخضار المتجول الشاب محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده في محافظة سيدي بوزيد (وسط) المهمشة، تجمع الآلاف من المتظاهرين أمام مقر وزارة الداخلية التونسية وفي شارع الحبيب بورقيبة.وغادر بن علي في تلك الليلة تونس نحو السعودية حيث عاش في المنفى بضع سنوات بعيدا عن الأضواء، قبل أن يتوفى في 2019.وتمكنت تونس وحدها بين ما صار يعرف بدول "الربيع العربي"، من مواصلة مسار الانتقال الديمقراطي، بينما دخلت الدول الأخرى إما في فوضى وغياب للأمن أو عادت إلى أنظمة متسلطة تحكم فيها السلطة بقبضة من حديد.ويقول الطالبي "يمكن أننا محبطون، لكن هذا لا يعني أن هناك إحساسا بالندم. عشر سنوات، هذا قليل لتغيير نظام جاثم منذ عقود. يمكن أن نفتخر بالتقدم الذي حصل".ويعلل كلامه قائلا "أرسينا نظاما سياسيا جديدا وتوافقنا على دستور بالرغم من أنه لم يُفعّل كليّا واحترمنا آجال الانتخابات. اليوم يجب أن يكون هناك انتقال اقتصادي".واستنفدت تونس التي يعتمد اقتصادها على المانحين الدوليين إلى حد بعيد، في الربيع الماضي برنامجا للدعم منحه صندوق النقد الدولي، من دون أن تتمكن من النهوض باقتصادها وإصلاح القطاعات الحيوية فيه.وأثّر الوباء بصفة مباشرة على قطاع السياحة الذي يعتبر ركيزة للاقتصاد ومصدرا للعملة الصعبة وأصبح هذا القطاع يعاني من أزمات متواصلة منذ العام 2011 إلى اليوم وخسر كثيرون من العاملين في المنشآت السياحية وظائفهم التي كانت تعيل عشرات العائلات.في موازاة ذلك، تعطلت أنشطة استخراج الفوسفات والنفط في ولايات مثل قفصة وتطاوين (جنوب) بسبب الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالتشغيل وتحسين البنية التحتية داخل هذه الولايات المهمشة.وتراجع إنتاج الفوسفات إلى أدنى مستوياته من نحو 8 ملايين طن سنويا في 2010 إلى 500 ألف طن أو أكثر بقليل في سنوات ما بعد الثورة وخسرت تونس الأسواق التقليدية في منافسة المغرب ودول أخرى.في المقابل، تعيش الطبقة السياسية تناحرا وصراعات متواصلة على السلطة ويتهمها بعض التونسيين بخدمة مصالح فئات معينة من المجتمع على حساب البعض الآخر، فيما استشرى الفساد في كل مناحي ومفاصل الدولة.وإزاء انسداد الآفاق وارتفاع البطالة، ارتفعت أعداد المهاجرين السريين من تونس في اتجاه السواحل الإيطالية وسجلت أرقاما قياسية منذ العام 2011. ويُشكل المهاجرون التونسيون أكبر عدد بين جنسيات المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا العام الماضي (حوالي 38 بالمئة).وتفيد أرقام وزارة الداخلية الإيطالية أن 12883 تونسيا وصلوا إلى إيطاليا في العام 2020، أي قرابة خمسة أضعاف مقارنة بعددهم في العام 2019.ويعتبر مركز دراسات 'ترانسناشونال' في أمستردام أن الحكومات التسع المتعاقبة "وجدت صعوبة في إحداث توازن بين مصالح النخبة التقليدية وباقي المواطنين المهمشين".ويغذي الإحساس بالإحباط والخذلان بعض الحنين إلى النظام القديم ويعمل بعض السياسيين على دعم هذا التوجه مثل الحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه المحامية عبير موسي القيادية السابقة في حزب التجمع الديمقراطي، الحزب الحاكم قبل الثورة.ويدعو هذا الحزب الذي تترأسه عبير موسي إلى إقصاء الإسلاميين وعلى رأسهم حزب النهضة المحسوب على تيار الإخوان المسلمين الذي يتواجد في السلطة منذ ثورة 2011، والعودة إلى نظام رئاسي قوي.ويحمل معظم التونسيين الإسلاميين الفشل في إدارة الدولة وفي استشراء الفساد والمحسوبية وغلبة المصالح الفئوية والحزبية وتغول اللوبيات على حساب المصالح العليا للبلاد.ويعيش حزب حركة النهضة أزمة داخلية غير مسبوقة على وقع انقسامات وانشقاقات واستقالات لعدد بارز من قيادته بينهم لطفي زيتون مستشار رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي يشغل أيضا رئاسة البرلمان.وكان نحو 100 قيادي في الحركة قد قدموا عريضة تطالب الغنوشي بعدم الترشح مجددا لرئاسة الحركة، في أول خطوة من داخل النهضة سلطت الضوء على حجم الخلافات الداخلية.وفي الوقت ذاته تعمل أحزاب ممثلة بكتل برلمانية على عزل الغنوشي من رئاسة البرلمان ورفع الحصانة عن نواب من ائتلاف الكرامة المتحالفين مع النهضة ومن ضمنهم رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف، بسبب تجاوزات دستورية وقانونية وكان من أيضا من بين الأسماء التي طالب القطب القضائي برفع الحصانة عنه للتحقيق معه في قضايا مالية.
مشاركة :