أظهرت دراسة بريطانية أن مئات الآلاف غادروا المملكة المتحدة جراء تداعيات جائحة فيروس كورونا على الاقتصاد. قال باحثون في مركز "إيكونوميك ستاتيستيكس سنتر أوف إكسيلنس" للإحصاءات الاقتصادية في لندن "إن هناك هجرة جماعية غير مسبوقة للعاملين المولودين خارج بريطانيا". وقال معدو الدراسة المستندة إلى بيانات سوق العمل "يبدو أن كثيرا من أعباء خسارة الوظائف خلال الجائحة وقع على العاملين غير البريطانيين وتجسد في عودة المهاجرين إلى بلدانهم بدلا من البطالة". وكان الاتجاه ملحوظا على نحو خاص في لندن، حيث إن واحدا بين كل خمسة سكان مولود في الخارج. وتراجع التعداد السكاني للعاصمة بواقع 700 ألف، بحسب الدراسة، مضيفة أن "الرقم على مستوى البلاد يمكن أن يكون أكثر من 1.3 مليون". وبحسب "الألمانية"، أشارت الدراسة إلى أنه إذا كانت هذه الأرقام دقيقة، فستكون أكبر تراجع في التعداد السكاني البريطاني منذ الحرب العالمية الثانية. ولا يشير دليل إلى أن أرقاما مماثلة من الأشخاص البريطانيين الذين يعيشون في الخارج يعودون إلى بريطانيا. لكن الباحثين قالوا "إن هذا يمكن أن يكون اتجاها مؤقتا"، مشيرين إلى أن العاملين من الخارج قد يعودون بعد زوال الجائحة. يعتمد الاقتصاد البريطاني على العاملين الأجانب وهو ليس مهددا فحسب بالهجرة جراء الجائحة، فكثير من الصناعات أيضا يخشى خسارة العمال المهرة جراء مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي وتطبيق قوانين أكثر صرامة بشأن الهجرة. وهناك أيضا اتجاه آخر يتسبب في قلق، وتصفه شركة "بي دبليو سي" الاستشارية بـ"انخفاض المواليد"، التي قالت "إن كثيرا من الأزواج يرجئون الإنجاب جراء الغموض الناتج عن الجائحة". وهذا يمكن أن يؤدي إلى أقل معدل مواليد منذ 1900، بحسب ما قالته "بي دبليو سي" في أوائل كانون الثاني (يناير) الجاري. وانكمش الاقتصاد البريطاني 2.6 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر)، في أول تراجع شهري للإنتاج منذ الانخفاضات الناجمة عن إجراءات العزل العام الأولية الهادفة إلى مكافحة كوفيد في نيسان (أبريل)، إذ جرى فرض قيود جديدة على معظم البلاد لإبطاء انتشار المرض. وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الذي أعلنه مكتب الإحصاءات الوطنية يقل بكثير عن متوسط التوقعات لانخفاض 5.7 في المائة في استطلاع أجرته "رويترز" لآراء خبراء في الاقتصاد. ويقدر بنك إنجلترا المركزي أن اقتصاد البلاد انكمش بما يزيد قليلا على 1 في المائة على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2020، وفي ظل سريان إجراءات عزل عام جديدة منذ كانون الثاني (يناير) فإنه من المرجح أن تكون البلاد انزلقت إلى ركود ثان بعد انتعاش. وكثف البنك المركزي برنامجه لشراء السندات إلى قرابة 900 مليار جنيه استرليني في تشرين الثاني (نوفمبر)، وقال محافظه أندرو بيلي هذا الأسبوع "إنه من السابق لأوانه للغاية القول إذا ما كانت هناك حاجة إلى مزيد من التحفيز". وسجل الناتج المحلي الإجمالي البريطاني تراجعا في تشرين الثاني (نوفمبر) بعدما شهد ارتفاعا على مدى ستة أشهر متتالية، وذلك في أعقاب القيود المفروضة لمكافحة الموجة الثانية من الإصابات بفيروس كورونا المستجد. وبحسب "الفرنسية"، فُرض إغلاق آنذاك خصوصا في انجلترا، وهو أقل صرامة من ذلك الساري حاليا، إذ إن المدارس بقيت مفتوحة، وفق ما ذكر المكتب الوطني للإحصاءات على موقعه الإلكتروني. وأشار المكتب إلى أن في تشرين الثاني (نوفمبر)، كان الناتج المحلي الإجمالي "أقل بنسبة 8.5 في المائة من مستواه المسجل في شباط (فبراير)"، قبل صدمة أزمة الوباء العالمي". وتراجع الناتج بسبب توقف الخدمات التي تعد محرك الاقتصاد البريطاني، فيما واصل قطاع البناء تسجيل نمو في نشاطه. وانهار قطاع الإنتاج الصناعي. فيما يخص الخدمات، كانت الفنادق والمطاعم وخدمات الطعام القطاعات التي شهدت أكبر معاناة، بعدما أُرغمت على إغلاق أبوابها لمكافحة تفشي الفيروس في جزء كبير من البلاد، وكذلك بالنسبة إلى متاجر الجملة والتجزئة والمؤسسات الفنية وقطاع الترفيه. وقال ريشي سوناك وزير المال البريطاني "من الواضح أن الأمور ستصبح أكثر صعوبة قبل أن تتحسن، وأرقام اليوم هي دليل على التحديات التي نواجهها". وأضاف "ثمة أسباب تدفعنا إلى الأمل" متحدثا خصوصا عن حملة التطعيم و"خطة التوظيف" الحكومية. وعدّ سامويل تومبز من مركز "بانتيون ماكرو" للأبحاث الاقتصادية أن "تراجعا صغيرا هو نبأ سار نظرا إلى الإغلاق الحالي"، رغم أن هذا الأخير يُعد أكثر صرامة، مذكرا بأن المحللين توقعوا تراجعا للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر). وفي مجمل عام 2020، يتوقع الخبراء الاقتصاديون والحكومة تراجعا للناتج المحلي الإجمالي بنحو 11 في المائة. وأضافت "بلومبيرج" أن "البيانات المعلنة تشير إلى أن استجابة المستهلكين والشركات جاءت أفضل حيال الجولة الجديدة من قيود جائحة كورونا مقارنة باستجابتهم خلال النصف الأول من 2020". إلى ذلك، أيدت المحكمة البريطانية العليا طلب الهيئة المالية الناظمة التي طعنت باسم عديد من الشركات الصغرى والمتوسطة بقرار شركات التأمين عدم تعويضها عن توقف الحركة الاقتصادية بفعل وباء كوفيد - 19. وجاء في بيان صادر عن أعلى سلطة قضائية بريطانية "المحكمة العليا تؤيد طلب هيئة السلوك المالي وترفض طلبات شركات التأمين". ومن شأن هذا القرار الذي ستطال آثاره نحو 370 ألف شركة، أن يسمح بتقديم تعويضات تصل قيمتها إلى 1.2 مليار جنيه. وأطلقت هيئة السلوك المالي قضية التأمين على انقطاع النشاط بعدما رفضت طلبات التعويض لآلاف الشركات الصغرى والمتوسطة. وكانت بعض شركات التأمين أكدت أن وباء كوفيد - 19 لا يشكل جزءا من الحالات التي تغطيها في إطار سياساتها. وفي أيلول (سبتمبر)، أيدت محكمة في محاكمة أولى موقف هيئة السلوك المالي التي نددت بـ"نقص الوضوح" في السياسات المذكورة. وتتعلق القضية بالشركات التي انقطع نشاطها بسبب القيود المفروضة لاحتواء الوباء مثل المتاجر والمطاعم وقطاع الترفيه. وفي بيان نشر بعد صدور قرار المحكمة العليا، قالت هيئة السلوك المالي "إنه أصبح بإمكان آلاف الشركات الحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بها". وأوضح شلدون ميلز المسؤول في الهيئة "سنعمل مع شركات التأمين لنضمن أن تتحرك بسرعة لدفع التعويضات كما ينص قرار الحكمة، مع تقديم مدفوعات أولية حيث يكون ذلك ممكنا".
مشاركة :