أمواج متلاطمة على مختلف الأصعدة من الأحداث الإقليمية والعالمية، صراعات نفوذ، ومعارك وجود، وسباق حول حلم القوى العظمى، ورهانات دول أخرى بتوسيع خرائطها، وتحركات أخرى حول شرق المتوسط والشرق الأوسط والخليج العربي، وجنوب شرق آسيا، وانشغالات مخيفة ومرعبة بجائحة «كورونا»، والتحديات المصاحبة لها من تغيير جيوسياسي، واقتصادي واجتماعي. ملامح العالم تتغير، أمريكا التي نعرفها في كتب التاريخ، لم تكن هي أمريكا التي نعرفها يوم أربعاء اقتحام «الكونغرس»، أوروبا بعد خروج بريطانيا، تترقب بخوف وحذر تكرار التجربة مع دول أخرى، قطعاً العالم يعيش حالة مخاض ربما تطول، الظرف العالمي استثنائي، كل يدور في فلك مصالحه الخاصة. لكن لا بد من وقفة هنا أمام التحركات المصرية تجاه القضية الفلسطينية. فوسط كل هذا الانشغال والحراك والتحديات العالمية نجد أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تغفل لحظة واحدة عن تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني رغم سيولة الأحداث والمتغيرات التي تعصف بالمنطقة العربية والشرق الأوسط. هذا هو الدور والواجب اللذان يليقان تاريخياً بدولة في قيمة وحجم مصر، فالرؤية المصرية تجاه القضية الفلسطينية، والعمل على دعم الشعب الفلسطيني، تقوم على ثلاثة مسارات رئيسية، في مقدمتها: الأول: تعمل مصر على استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية عبر العمل على ثلاثة مستويات، هي: التنسيق مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتجلى هذا في الاتصالات التي قام بها وزير الخارجية سامح شكري مع وزيري خارجية فلسطين وإسرائيل في الأيام الماضية. المستوى الثاني هو التنسيق مع الدائرة العربية، من خلال التنسيق المصري مع جميع العواصم العربية الفاعلة في الملف الفلسطيني، وفي مقدمتها المملكة الأردنية الشقيقة، وحضور وزير الخارجية الأردني لمصر خلال الأسابيع الماضية، والتشاور الدائم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خير شاهد على هذا الأمر. والمستوى الثالث هو الدائرة العالمية، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي، حيث تستفيد القاهرة من العلاقات المميزة والخاصة مع كل من فرنسا وألمانيا، وهما ضمن قادة الاتحاد الأوروبي لتحريك ملف عملية السلام، وهذا يتسق مع توجه الدولة المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، لدعم المفاوض الفلسطيني عربياً ودولياً في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967. أما المسار الثاني فإنه يعتمد على حماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من خلال تثبيت الهدنة بين إسرائيل والفصائل في غزة، فضلاً عن أن مصر نجحت مرات كثيرة في منع حدوث تصعيد عسكري وشيك يستهدف القطاع، فمن يراقب التحركات المكوكية لوفد المخابرات المصرية لغزة، يتأكد من حجم الدور المحوري والاستراتيجي الذي قامت به مصر في حماية الشعب الفلسطيني، بل إن مصر تعمل على إطالة زمن الهدنة وتثبيتها، لاسيما في هذه الظروف الصعبة التي يعانى منها قطاع غزة بسبب «كوفيد 19». يأتي المسار الثالث ليؤكد وضع الدولة المصرية لجميع إمكاناتها وأدواتها من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، خصوصاً بين حركتي فتح وحماس، وأن هذا الدور المصري الذي بدأ منذ عام 2007، أخذ منحى جديداً خلال الأسابيع القليلة الماضية، لتقليل فجوة الخلاف بين الحركتين، وأثمر عن اتفاقهما للمرة الأولى منذ 13 عاماً على إجراء انتخابات منفصلة للرئاسة والمجلس التشريعي، وإعادة تأهيل منظمة التحرير الفلسطينية. هذه المسارات تجاه القضية الفلسطينية، تتفق مع الثوابت المصرية والعربية التي تقوم على ضرورة قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، وتقرير مصير الشعب الفلسطيني وفق كل مقررات القمم والاجتماعات العربية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التحركات المصرية العميقة تجاه الشعب الفلسطيني تتزامن مع وجود حراك دولي، يهدف إلى استئناف المفاوضات، وحل الدولتين، وهذا ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الوزاري الرباعي الذي شهدته القاهرة، وضم وزراء خارجية مصر والأردن وألمانيا وفرنسا. * رئيس تحرير «الأهرام العربي»طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :