حظيت قضية التنوع البيولوجي باهتمام بالغ في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. الذي تعامل بحنكة ورؤية ثاقبة مع التحديات البيئية المختلفة، وعمل على تعزيز الوعي البيئي لدى جميع المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، مكرسًاً جزءاً كبيراً من حياته لحماية الطبيعة، لتنعم الأجيال القادمة ببيئة حيوية مستدامة. وحثَّ في كل الأحيان على ضرورة صون البيئة وحمايتها وحفظ مواردها المتعددة، معتبراً أنها أمانة يجب الحفاظ عليها، قائلاً، رحمه الله، في هذا الصدد: «نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية.. واجب علينا الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء». ولا شك أن جهود الوالد المغفور له وجّهت بوصلة العمل الحكومي في الدولة، وهو ما تمثّل في إطلاق العديد من المشاريع والبرامج والمبادرات التي أسهمت في معالجة الكثير من التحديات، وحسّنت من جودة الموارد المتاحة وعزّزت من وفرتها. ولم تقتصر هذه الجهود على المستوى المحلي فقط، بل انعكست على مكانة الدولة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فهي اليوم أحد أهم المؤثرين الدوليين في مجال التصدي للتحديات البيئية التي تواجه العالم، حيث وضعت منظومةً متكاملةً للحفاظ على هذا التنوع بمكوناته البرية والبحرية وأنظمته الإيكولوجية من الضغوط التي يتعرض لها طبيعياً وبشرياً، فتؤثر في صعوبة تكيفه مع التغيرات المناخية، وتوازنه البيئي ووصوله إلى معدلات الاستدامة المستهدفة، حيث تتمثل الأهداف في هذا الجانب في تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، الذي يتحقق بفعل الحفاظ على العناصر الأساسية المكونة للسلع والمنتجات. وباعتبار أن التنوع البيولوجي، يشكل جزءاً أساسياً من تراث دولة الإمارات وهويتها الطبيعية، فإن وزارة التغير المناخي والبيئة تواصل العمل على تعزيز الجهود المبذولة في هذا السياق، إذ وضعت خمس خطط للمحافظة على التنوع البيولوجي والنظم الطبيعية، خلال العام الجاري 2021: أولها، وضع شبكة من المحميات الطبيعية والأراضي الرطبة تتم إدارتها بشكل متصل وفعال ومتكامل، وربطها بين المناطق المهمة بالتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي على مستوى الدولة. وثانيها، إجراء مسح وتقييم وطني شامل للتنوع البيولوجي لحصر وتحديد الأنواع والموائل والنظم البيئية المهمة في الدولة، وخصوصاً في المحميات. وثالثها، إنشاء مناطق محمية جديدة مهمة للتنوع البيولوجي. ورابعها، تعزيز فاعلية إدارة المحميات الطبيعية والأراضي الرطبة الحالية لتحسين نظام الحفاظ على الموائل والأنواع. وخامسها، العمل بالتعاون مع السلطات المختصة، على تحديد المواقع ذات الأهمية العالمية لإدراجها ضمن قوائم «رامسار»، بما يسهم في ريادة الدولة في مجال المحافظة على التنوع البيولوجي. هذه الجهود المتواصلة التي تبذلها الدولة كان لها الأثر الواضح في تحقيق العديد من الإنجازات المهمة، وأبرزها تصدُّر الدولة المشهد الدولي في ثمانية مؤشرات عالمية تتعلق بمجالات العمل البيئي، واستحواذها على المركز الأول على المستوى الإقليمي في 19 مؤشراً، وفقاً لتقارير ومؤشرات التنافسية العالمية للعام 2020. وبحسب تقرير الكتاب السنوي للتنافسية «IMD»، تبوّأت دولة الإمارات المركز الأول عالمياً في مؤشر القوانين البيئية ومؤشر الازدهار، وحازت المركز الأول عالمياً في مؤشر الرضا عن جهود المحافظة البيئية، وتصدّرت المشهد الدولي في مؤشر الأداء البيئي، إضافة إلى مجموعة من المؤشرات التابعة له. لقد أدركت دولة الإمارات الأهمية الكبيرة للتنوع البيولوجي بوصفه الأساس الذي يدعم جميع أشكال الحياة على الأرض وتحت سطح الماء، وأن أي تغيير أو إزالة لعنصر واحد منه من الممكن أن يؤثر في نظام الحياة بأكمله ويؤدي إلى عواقب سلبية، الأمر الذي جعلها تمتلك نظاماً من أغنى النظم البيئية الطبيعية إنتاجية، سواء من ناحية إسهامها في توفير الخدمات والموارد الأساسية، أو من ناحية جودتها النوعية الفريدة. * عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
مشاركة :