منذ خمسة أعوام وبضعة أشهر انطلقت القناة الثقافية ضمن حزمة قنوات متعدّدة موجّهة لشرائح المجتمع كافة، وبالرغم من أن خطواتها لا تبتعد كثيرا عن خطوات قريناتها من القنوات التي تزامنت معها؛ إلا أن الجدال حولها لا ينتهي؛ فهي موجّهة للمثقفين وهم في كل زمان ومكان الشريحة الأكثر احتجاجا والأكثر استشرافا والأعلى طموحًا، لهذا تباينت منها المواقف دائما وتعالت أصوات المثقفين احتجاجا على إمكاناتها وعجزها غالبًا عن تحقيق ما يريدونه منها، حتى وإن تناءوا عنها. ولتشخيص خطواتها وواقعها كان علينا التواصل مع عدد من المثقفين الذين تماسّوا معها وعرفوا واقعها ومعوّقاتها. في البدء شاركنا الروائي والقاص خالد الخضري، وهو الذي سبق له أن اختطّ وأشرف على واحد من أهم برامج القناة اليوم، برنامج "الثقافة اليوم" هذا البرنامج الإخباري الثقافي اليومي الذي يعنى بشكل مباشر بقضايا الثقافة الآنية ويحظى بمشاركة ومتابعة عدد كبير من المثقفين. يقول الخضري في رؤياه عن القناة بعد أن غادرها: "مشكلة القناة الثقافية السعودية، أنها تأسست من دون دراسة واستراتيجية واضحة، فقد أطلق وزير الثقافة والإعلام آنذاك د. عبدالعزيز خوجة، عددا من القنوات لإرضاء شرائح من أبناء المجتمع، كان من ضمنهم الوسط الثقافي، لهذا فقد كانت البداية تعيسة جدا، المهم أن يكون هناك برامج مقدمة عبرها، فلك أن تتخيل ولادة قناة بلا ميزانية محددة وقتها، وبلا ساعات بث، ومعتمدة في ذلك على القنوات الأخرى، على رأسها القناة الأولى بمكتبتها الثرية، وتم استقطاب عدد من الشباب الراغبين في الظهور، وكثير منهم كان ليس له أي علاقة بالوسط الثقافي، وعدم معرفة بالمثقفين، وقدمت مذيعين ومذيعات أبعد ما يكونون عن اللغة العربية، المهم أنهم قادرون على الحديث، فوقعوا في أخطاء في اللغة العربية لا تغتفر، وكانوا لا يعرفون كثيرًا من المصطلحات العلمية والثقافية، أما اليوم فبلا شك أن هناك تحسنا مبشرا، بعد أن خصص لها ميزانية متواضعة قياسا بغيرها من القنوات الحكومية الأخرى التي تمتلك دخلا ذاتيا عبر الإعلانات، لكن الاشكالية في الهوة القائمة بين القناة والمثقفين، بعد أن كرست لديهم عدم قدرتها على أن تكون قناتهم التي تمثلهم في الفترات الماضية، واليوم يدير القناة إعلامي مثقف ومهم، هو قادر فيما أظن على تجسير الفجوة، وعلى رأب الصدع، بين المثقفين وقناتهم، وهو قادر أيضا على تحديد هوية للقناة، ورسم استراتيجية واضحة لها، واستقطاب الأسماء الثقافية المهمة التي يمكن لها أن تسهم في تحسين أدائها، والدفع بها كي تكون من أهم القنوات الثقافية عربيا". في المقابل يقول الشاعر والكاتب أحمد التيهاني وهو واحد من أوجه القناة في الجنوب وسبق له أن أعد وقدم عددا من برامجها: "مر على القناة الثقافية بضعة أعوام مزدحمة بالرؤى والنقاشات، بل والصراعات أحيانا حول هيكلها البرامجي، وكادرها البشري. وُلِدت مع القناة الثقافية في الدقيقة نفسِها ثلاثُ قنوات؛ إلا أن الناقدين لم يتعرضوا كثيراً للثلاث الأخريات؛ والسبب بديهي فقنوات القرآن، والسنة والاقتصادية، بعيدةٌ عن اهتمامات ذوي الأقلام من المثقفين والمتثاقفين ومن سارَ على نهجهم. الأهم من النقد هو المبادرة؛ لأن وجود قناة ثقافية قوية يحتاج إلى وسط ثقافي قوي ومتفاعل ومستشعر لمسؤولياته، والمثقفون أفكارا وأشخاصا هم مادة قناة كهذه، فهي ليست سوى مرآة عاكسة للواقع. مشكلة قناتنا الثقافية الكبرى هي إسناد مهام مواجهة جمهورها إلى الضعفاء لغويا ومعرفيا؛ مما يجعل المتابع يزهد فيها عندما يستمع إلى مذيع سطحي، وفي الوقت نفسه يرفع المفعول وينصب الفاعل دون أن يعي الفارق بينهما أصلا، ولن يتأتى تغيير هذا الواقع إلا بإيجاد قيادات واعية متمكنة، وأجزم أن القيادة الحالية ممثلة في الأستاذ عبدالعزيز العيد قادرة على ذلك، وحبذا لو تم تشكيل هيئة استشارية للقناة، تتكون من مثقفين فاعلين، وإعلاميين ذوي خبرة، وتكون مهمتها التخطيط لبرامجها، ووضع هيكلها البرامجي. ومهما يكن من نقد، فإن من أيسر حقوق المثقفين أن يصنعوا آمالَهم حول قناتهم، وأن يغضبوا مما لا يسرهم على شاشتِها، بيد أن من أيسر حقوق "الثقافية" عليهم أن يكونوا متفاعلين معها، وأن يقدموا بعض التنازلات، إن كانوا يحملون همها كما يقولون أو يكتبون. استطاعت "الثقافية" أن تسجل حضوراً جيداً في مناسباتنا الثقافية؛ مثل: معرض الكتاب، ومهرجان الجنادرية، وسوق عكاظ، وأقول: "جيدا"، وحسب، لأن للبدايات عثرات، إلا أن التجاسر على الفعل يستحق الإشادة. يأخذ بعضُهم على "الثقافية"، تكرار أو ضعف بعض الضيوف والأفكار، وهم لا يعلمون أن تخاذلَ "النرجسيين" منهم سببٌ مباشرٌ في ذلك، وأن القناة لا تستطيع إلا أن تكون مرآةً عاكسةً لواقعهم". في جهةٍ ثالثة وقف د. زيد الفضيل من القناة الثقافية موقفا شموليا يعنى بواقع الثقافة عند المجتمع بشكل عام حيث قال: "من المهم حين تقويم دور وفاعلية القناة الثقافية، أن نأخذ في الاعتبار مدى اهتمام المجتمع اليوم وقابليته وتفاعله مع الشأن الثقافي بوجه عام، إذ ان نماء أي منشأة إعلامية، وزيادة مهاراتها، يعتمد بدرجة رئيسة على تفاعل مختلف فصائل المجتمع معها. على أن ذلك لن يكون عائقا أمام تنامي مهنية القناة الثقافية بوجه عام، إذ من الطبيعي أن تعمل القناة جهدها للتغلب على مختلف التحديات، وتسعى بمهنية لجذب المشاهد إليها، ويكون أسمى أهدافها إعادة إحياء النشاط الثقافي في ذهنية مختلف شرائح المجتمع. ولا شك فإن ذلك يتطلب توفر عدد من الأسس المهمة، لعل في مقدمتها وجود إدارة مهنية كفوءة، تملك القدرة على استبطان ما يجذب الجمهور بمختلف فئاته، فتعمل على صناعة ودعم مختلف البرامج التي تحقق هدفها بمهنية عالية؛ ناهيك عن أهمية أن يوفر للقناة معدو ومقدمو برامج من داخل المشهد الثقافي، بملكات فكرية متطورة. وكل ذلك لن يكون بمنأى عن إجراء الدراسات التسويقية المتخصصة، التي تستكشف رغبات الجمهور المستهدف ومتطلباته؛ مع تكثيف حالة التسويق الإعلامي، والاهتمام برعاية عديد من المناشط الشبابية المعاصرة، كبرامج "التوك شو" و"الاستانداب كوميدي"، التي بات واضحا مدى تأثيرها وانتشارها بين شريحة الشباب اليوم، مع العمل على تطوير مضمونها بالشكل الذي يحقق الفائدة المرجوة، والأهم مواءمة كل ذلك برامجيا بحيث تمتزج برامج المتعة الشبابية ببرامج ثقافية أخرى متنوعة. إنها الخلطة السرية الناجحة التي تحتاج إلى مهارات إدارية ثقافية متخصصة، وواعية، وتملك هدفا تسعى إلى تحقيقه، وهو ما أرجو أن يكون قائما اليوم في مسار توجه القناة وخطة عملها الدوري".
مشاركة :