يقف المئات من المواطنين السوريين في شارع بوسط العاصمة دمشق يقلبون وسط أكداس من الألبسة المستعملة المعروضة أمامهم على بسطات خشبية ثابتة أو متحركة أو منصات معلقة ، علهم يعثرون على ما يريدونه من ملابس في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد . وبات سوق القنوات للألبسة المستعملة ، والذي يربط بين دمشق الحديثة ودمشق القديمة ، وجهة غالبية الأسر السورية في الآونة الأخيرة ، ولم تعد تستهويهم تلك الأسواق التي تعرض الألبسة الجديدة لغلاء أسعارها الخيالي أولا ، وعدم وجود أشياء تعجبهم بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على سوريا ، وإن حصل ومروا بتلك الأسواق فبقصد النظر اليها والنظر إلى أسعارها ومقارنتها مع سوق الألبسة المستعملة . ومع اشتداد البرد في فصل الشتاء ، وقلة وقود التدفئة في البلاد ، بات لازما على معظم الأسر شراء المعاطف الشتوية والألبسة الصوفية للأولاد والكبار ، فشراؤها من المحلات التي تبيع الثياب الجديدة قد يكون صعبا بعض الشيء ، ولكن في سوق " البالة " كما يسميها السوريون متاحا ، فهي أرخص بكثير من محلات الثياب الجديدة . ووسط كومة من الثياب والمعاطف المبعثرة تحاول أم عدنان (38 عاما) جاهدة العثور على معطفين لابنتيها ساره وعفاف ، لكي تذهب بهما إلى المدرسة ، وبأسعار مناسبة . وقالت أم عدنان وهي تحمل بيدها معطف زهري اللون لوكالة أنباء (شينخوا) إن " الوضع المادي لأسرتي صعب ، ومن غير الممكن شراء معاطف جديدة للأولاد من المحلات المعروفة " ، مؤكدة أن سوق البالة بات ملاذا لغالبية الأسر السورية ، حيث يجد الكل ضالته هنا . وتابعت تقول إن " الألبسة المستعملة فيها أشياء جيدة ، وفيها موديلات حديثة ، وإضافة لذلك سعرها مناسب قياسا بالألبسة الجديدة " ، لافتة إلى أنها اشترت عدة أشياء من هذا السوق بسعر قطعة او قطعين من الألبسة الجديدة . وبعد أكثر من تسع سنوات من الحرب التي استنزفت الاقتصاد والبنى التحتية، تشهد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية أزمة معيشية خانقة ، وما فاقمتها أكثر هو انتشار مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد ـ 19) ، وهذا الوضع انعكس سلباً على القدرة الشرائية للسوريين الذين يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر. ولم تبد أم امير (36 عاما) حرجا وهي تتكلم عن شراء ألبسة لأسرتها من سوق البالة ، فيما كان سابقا يشعر البعض منهم بالحرج وهو يشتري من هذا السوق ، وعبرت عن سرورها بوجود أشياء أعجبتها بهذا السوق . وقالت جئت مع ابنتي لشراء بعض الملابس الصوفية ، لأن البرد يشتد والأولاد بحاجة ماسة لتلك الملابس، مؤكدة وهي تتبسم ، " لم أحاول الذهاب إلى محلات الألبسة الجديدة ، كي لا أصاب بالصدمة من شدة غلاء أسعار تلك الثياب . وأشارت وهي تقلب بحثا عما يعجبها في أكوام الثياب ذات الألوان المختلفة إلى أن هذه الأسواق ، بات يقصدها الغالبية من الأسر ، مبينة أن هذه الأسواق فيما مضى كانت مقصدا للأسر الفقيرة والمعدومة، أما الآن فهي أسواق منتعشة . والمئات من الأسر انتشرت بذلك السوق الذي يبيع إضافة للألبسة ، الأحذية المستعملة والمظلات الشمسية، وبعض البيجامات وغالبيتهم يحمل كيسين أو أكثر مملوءة بالثياب المستعملة . ومن جانبه قال عبد الرحيم ( 42 عاما )، و صاحب محل للألبسة المستعملة في سوق القنوات الذي يعد واحد من 6 أسواق متخصصة في بيع الألبسة المستعملة في دمشق وريفها ، قال إن " السوق مزدهرة هذا الأيام "، وعزا ذلك " لارتفاع أسعار الألبسة الجديدة بشكل خيالي، وانهيار أسعار صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ، وتدني دخل الأسر السورية " ، مؤكدا أن هذه الأسباب مجتمعة جعلت من سوق البالة سوقا مزدهرا . وتابع يقول " هناك بعض الصعوبات في الحصول على الألبسة المستعملة من الخارج بسبب العقوبات الاقتصادية ، إضافة إلى أن انتشار فيروس كورونا في سوريا والعالم ، منعنا من الحصول على ما نريد من ألبسة من الأسواق الأوروبية " ، مؤكدا أن هذا دفع البعض إلى رفع أسعار بعض القطع ، ولكن تبقى ـ حسب قوله ـ أرحم بكثير من الألبسة الجديدة . وأشار عبد الرحيم إلى أنه أحيانا كثيرا يتعاطف مع الناس ويبيع قطع الثياب بنصف سعرها، موضحا أن الناس غير قادرة على تأمين الطعام والشراب في هذه الأيام ، وبالتالي لابد من مساعدتهم بأشياء ثانوية مثل الملابس . ولاحظ مراسل وكالة (شينخوا) بدمشق خلال جولة على الأسواق وجود ركود في بعض الأسواق بالعاصمة دمشق، وبعض المحلات مغلقة ، لأنها تتعرض للخسارة خاصة أولئك الذين يستأجرون محلاتهم في أماكن معروفة وباسعار مرتفعة .
مشاركة :