لعل من المدهش و المثير للغضب أن ينبري بعض السياسيين - بين حين و آخر- للدفاع مواربة هي أقرب للصراحة، عمن سرقوا المال العام العائد للشعب العراقي سواء بالعقود أو النهب المباشر أو عبر غسيل الأموال أو مختلف طرق الاحتيال و التزوير، وتمكنت السلطات المعنية من إحالتهم الى القضاء الذي حكم بأيداعهم في السجن و استرجاع ما سرقوا الى خزينة الدولة سواء كانت خاوية أم(ممتلئة)! . أما إحدى الذرائع للعفو عن هؤلاء و إخراجهم من السجون فهي اشتراط استرجاع ما سرقوه الى الخزينة لاسيما وإن العراق يمر الآن بأزمة مالية خانقة!. هذه الدعوة التي تبدو ساذجة ودفاع غير موفق عن اللصوص وسرّاق المال العام تتجاهل أن حكم القضاء بحبسهم قضى أيضاً بأسترجاع ما سرقوه مع تنفيذ حكم البقاء في السجون،هذا إذا اعترفوا حقاً بمقدار الأموال التي سرقوها و إعادتها الى الخزينة،ذلك إن العقوبة أو الاقتصاص من السارق أو القاتل أو المعتدي لا تقتصر على استرجاع ما سرق أو الاعتذار عن الجريمة إنما تستوجب أيضاً دفع ثمن لذلك وفي مقدمته إعلام قرار القضاء الى الرأي العام للتقليل من شأن من ارتكب الخطأ أو الجريمة ولكي يكون عِبرةً للأخرين و إخافتهم كي لا يرتكبوا الأفعال ذاتها وبما يقلل من القيام بمثلها ويحقق التوازن و الاطمئنان لدى أفراد المجتمع . وإذا كان القول المأثور إن من أمّن العقوبة أساء الأدب ، هي دعوة صريحة للاقتصاص ممن يسيء الأدب ويعتدي أو يتجاوز على الآخرين،أفراداً أو مؤسسات . فقد اهتمت المجتمعات البشرية و الأديان بأقرار التشريعات التي تعاقب و تقتص ممن يخالفها ومنها القتل و السرقة والاعتداء على الآخرين. لقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً للتشريع لمعاقبة و اقتصاص من يخرج على تلك التشريعات، لأن العقوبة لمن يرتكبها تحقق الأمان و الاستقرار و ديمومة الحياة للمجتمع و أفراده . فقد جاء في الآية الكريمة من سورة البقرة القول الصريح (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب – الآية 159). ويذهب معظم المفسرين وفي مقدمتهم الطباطبائي في (ميزانه) أن (المصلحة العامة قائمة على الاقتصاص فالحياة لا يضمنها إلا الاقتصاص دون العفو و الدّية ، ولا كل شيء مما عداها) ويذهب مفسرون آخرون الى القول بأن الخوف من العقوبة هو الذي يصنع التوازن في المجتمع و أفراده، وأن الذي يجترأ على حقوق الناس يجترأ أيضاً على حقوق الله، وإن انزال القصاص و إشهاره يردع الآخرين من القيام به .. فمن أين جاء الداعون للعفو عن المدانين بسرقة المال العام إذا ما أعادوه الى الخزينة، وهل حقاً يمكن تحقيق ذلك أم هو ذريعة للدفاع عن اللصوص وتخليصهم من القصاص ؟!
مشاركة :