أكدت دراسة علمية للباحث حسن عيد بحيري المدرس المساعد بقسم الإذاعة بإعلام الأزهر أن شبكة الإنترنت أتاحت للتنظيمات الإرهابية منصات تستطيع من خلالها الوصول إلى الرأي العام العالمي والمحلي؛ واستطاعت من خلالها تشكيل الاتجاهات المؤيدة لها، وحيازة اهتمام الملايين من المشاهدين وهدفت الدراسة (سيميائية الصورة والكلمة في خطاب التنظيمات الإرهابية عبر الفيديو في شبكة الإنترنت دراسة تحليلية مقارنة) التي نال بها الباحث درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بالطبع والتداول بين الجامعات إلى قراءة المعاني الظاهرة والضمنية في خطاب المنظمات الإرهابية عبر الإنترنت، قراءة دقيقة تسمح بتفكيك الرموز والدلائل والرسائل التي تسعى إلى توصيلها، وكذا تقديم محاولة لاستخدام التحليل السيميولوجي في تحليل الصورة المتحركة (الفيديو)، والكشف عن العلاقة بين الرسالة الأيقونية واللسانية في خطاب المنظمات الإرهابية، وتحليل نقاط التباين أو الاتفاق بين المنظمات الإرهابية على اختلاف أيديولوجياتها. وتضمنت عينة الدراسة اختيار عينة عمدية من الفيديوهات الخاصة بتنظيم داعش الإرهابي المحسوب على المسلمين تمثل القضايا المختلفة التي يحرص التنظيم على توصيلها، كما تم اختيار مجموعة فيديوهات تمثل المنظمات الإرهابية المحسوبة على غير المسلمين وهي: جماعات تفوق البيض اليمينية المتطرفة: ومنها (جماعة كوكلوكس كلان الأمريكية - الإرهابي برينتون تارانت). ومنظمة 969 البوذية المتطرفة المسئولة مع حكومة ميانمار عن الإبادة الجماعية في بورما. وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: أثبتت الدراسة أن التنظيمات الإرهابية على اختلاف أيديولوجياتها تتبنى خطابا متقاربا إلى حد كبير؛ إذ إنهم يبررون العنف من منطلقات دينية وقومية وعنصرية، معتقدين أنهم في خضم أزمة وجودية تهدد بقاءهم واستمرارهم، وتصور الآخر على أنه يسعى لاستبدالهم واحتلال أرضهم والنيل من ثقافتهم ومعتقداتهم، ويعتمدون العنف السبيل الوحيد لمنع ذلك، ويهدفون من عملياتهم إلى جذب الأنظار نحو قضيتهم، وأن تشتعل الفتن وتندلع الحروب بين الثقافات، وقد أعانهم على ذلك ما وفرته شبكة الإنترنت من سهولة وسرعة في الوصول إلى الملايين من المستخدمين دون جهد أو مراقبة أو تكلفة.وخلصت النتائج إلى أنه فيما يتعلق بالرسائل التي حرصت كل منظمة على توجيهها للمستخدمين عبر الإنترنت؛ فقد ركز تنظيم داعش الإرهابي على الرسائل التي تؤصل لشرعية خلافته المزعومة وأنها المكان الوحيد الذي يطبق الشريعة، والتي يجب على المسلمين الهجرة إلى أرضها ودعمها، وضرورة القتال في صفوفها، كما حرص على إظهار قوة الخلافة بتصوير مناطق النفوذ والأعداد الغفيرة من العناصر والمبايعين في كافة أرجاء العالم، بالإضافة إلى إظهار قوة ووحشية التنظيم في التعامل مع المخالفين أو من يسمونهم: (الأعداء- المرتدين)، أما الرسالة الأخرى التي أراد التنظيم إيصالها وبقوة فتتمثل في إظهار الجانب الإنساني للتنظيم وحرصه الشديد على تسيير أمور الناس بتوفير الغذاء والأمن وإدخال مظاهر السرور على الرعية كما يطلقون عليهم. أما منظمة كوكلوكس كلان فقد دعت من خلال المحتوى المقدم إلى تبني الفكر العنصري (تفوق الجنس الأبيض) المسيحي، وتبنى إستراتيجية لبث الرعب في قلوب المخالفين، تعتمد على الانتقام والقتل والتشريد، والحرص على التدريب العسكري والتسليح الجيد استعدادا لمعركة قادمة بين البيض وغير البيض. كما حرص تنظيم (كلان) على إظهار الجانب الإنساني حيث أبرزت عضوات التنظيم اهتمامهن الشديد بالأسر المحتاجة وكبار السن والأطفال.أما الإرهابي برينتون تارانت مرتكب مجزرة مسجدي مدينة كريست تشيرش بنيوزيلندا فقد أظهر أنه يعادي غير البيض والمسلمين باعتبارهم الغزاة ذوي الخصوبة العالية الذين يسعون للاستبدال العرقي للبيض - حسب تعبيره - وأنه حانق على المسلمين، ولذلك أشار في الرسائل اللسانية المكتوبة على أسلحته إلى رموز وتواريخ ترجع إلى انتصارات حققتها أوروبا على المسلمين، أما جماعة 969 البوذية المدعومة من حكومة ميانمار فكانت أبرز الرسائل التي يروجون لها: أن مسلمي الروهينجا مهاجرون غير شرعيين، ويجب أن يطردوا من ميانمار إلى أي بلد آخر، معللين السبب في أنهم يشكلون تهديدا للأقلية العرقية البوذية، فهم يتزوجون أكثر من واحدة ويتكاثرون كالأرانب وفق ما جاء في التحريض ضد مسلمي الروهينجا من ضباط الجيش والرهبان البوذيين وأبرزهم الراهب (يوراثو) الذي لا يجد حرجا في وصف نفسه بالنازي الجديد أو بن لادن ميانمار.وبصفة عامة حرصت التنظيمات الإرهابية محل الدراسة على تجنيد الأطفال وإسناد أدوار نشطة إليهم كتنظيم داعش، وكذلك تنظيم كلان الذي اتجه إلى الاهتمام بالأطفال بعد أن كان يستهدف كبار السن فقط من أجل ضمان بقاء المنظمة على قيد الحياة؛ فضلا عن اهتمامه بالشباب الذي يعطيها المزيد من الأهمية في القاعدة الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى بعض المعرفة التكنولوجية التي يمتلكها الشباب لخدمة أهداف التنظيم.وفيما يتعلق باستهداف الأطفال فقد أظهرت نتائج الدراسة تفوق المنظمات الإرهابية المحسوبة على غير المسلمين في استهداف الأطفال وتبرير قتلهم؛ وإن كان الكثير من الأطفال يقعون في هجمات داعش إلا أن التنظيم لا يبرر لذلك مثل جماعة 969 البوذية التي قامت بقتل الأطفال بالمناجل والحرق والإغراق في النهر وعللت ذلك بتأكيد النصر، وكذلك الإرهابي (تارانت) الذي برر لقتل الأطفال غير البيض الذين وصفهم بــ (أطفال الغزاة - الأفاعي – الذين يستحقون الحرق) وقال إنهم لا يبقون أطفالا بل يصبحون بالغين ويتكاثرون، ويخلقون المزيد من الغزاة.أما توظيف العناصر التركيبية للفيديوهات: فقد وُظفت الأحجام المختلفة من اللقطات وزوايا التصوير وحركات الكاميرا والإضاءة والديكور وأساليب المونتاج وشريط الصوت إضافة إلى لغة الجسد والملابس والألوان والرسائل اللسانية بما يدعم المعاني الضمنية المقصودة.وقد استخدمت الدراسة أداة التحليل السيميولوجي التي تعد أبرز الأدوات المنهجية التي بدأت تطرح نفسها بقوة كبديل لتحليل المضمون خاصة في الحالات التي لا تستطيع فيها أداة تحليل المضمون الوفاء بمتطلبات قراءة النص الإعلاميكونها تعد أنسب الطرق والأدوات المنهجية لتحليل الصورة المتحركة نظرا لما يميز الصورة المتحركة أو الفيديو في محتواها من إمكانيات الحركة والاقتراب والابتعاد والارتفاع والانخفاض والديكور والإضاءة، فكلها مؤثرات لها معاني ودلالات ولا يمكن لأداة تحليل المضمون أن تقوم بتحليل المعاني الكامنة أو تأويل كل تلك المؤشرات.يذكر أن لجنة الحكم والمناقشة تكونت من الأستاذ الدكتور محمود عبد العاطي مسلم، أستاذ الإذاعة ورئيس قسم الإذاعة والتليفزيون السابق بكلية الإعلام جامعة الأزهر. مشرفاوالأستاذة الدكتورة هالة كمال نوفل، أستاذ الإذاعة والتليفزيون وعميد كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال جامعة جنوب الوادي.مشرفا والأستاذ الدكتور محمد معوض إبراهيم، أستاذ الإذاعة بكلية الدراسات العليا للطفولة - جامعة عين شمس، وعميد معهد الجزيرة العالي لعلم الإعلام والاتصال. مناقشا خارجيا، والأستاذ الدكتور عرفة أحمد عامر أستاذ الإذاعة ووكيل كلية الإعلام جامعة الأزهر السابق مناقشا داخليا.
مشاركة :