طرابلس - تسعى الجزائر إلى تنشيط دبلوماسيتها الخارجية خاصة إزاء الجارة ليبيا التي تربطها بها حدود ممتدة يشكل تأمينها معضلة خاصة مع انفلاتات سابقة وبروز أنشطة إجرامية وإرهابية بالقرب من المناطق الحدودية.وتتحرك الجزائر على أمل استعادة زمام المبادرة فيما يتواصل مسار الحوار الليبي على أكثر من جبهة ضمن الدفع لتسوية سياسية تنهي الأزمة كانت الدبلوماسية الجزائرية شبه غائبة عنه.وقد بحث وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم اليوم الأربعاء مع مسؤولين ليبيين مستجدات الحوار السياسي لحل الأزمة الليبية وملفات أمنية واقتصادية.ووصل بوقادوم إلى العاصمة الليبية طرابلس في زيارة لم يسبق الإعلان عن مدّتها، لكنها تأتي في سياق جولة إفريقية بدأها قبل نحو أسبوع وشملت أنغولا وجنوب إفريقيا ومملكة ليسوتو وكينيا.وتأتي الزيارة فيما تشهد الدبلوماسية الجزائرية فتورا وحالة من الجمود على أكثر من جبهة في ظل أزمة داخلية وأيضا على اثر نكسة كبيرة في ما يتعلق بملف النزاع في الصحراء المغربية، فالجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، وجدت نفسها في عزلة بعد توالي الاعترافات الدولية (عربية وافريقية وغربية) بمغربية الصحراء وافتتاح عدد منها قنصليات في مدينتي الداخلة والعيون في الأقاليم الجنوبية للمغرب.وتحاول على أرجح التقديرات أن تلقي بثقلها في حل الأزمة الليبية بعد لقاءات ناجحة استضافتها مدينة بوزنيقة المغربية وأسست لتوافقات بين الفرقاء الليبيين بما في ذلك اتفاق على آليات الحكم والمناصب السيادية.وعلى ضوء النجاحات الدبلوماسية للمغرب، وجدت الجزائر نفسها في ملف وازن مثل الملف الليبي، خارج إطار التوافقات الليبية والدفع الإقليمي والدولي لتسوية الأزمة.وتقدم الجزائر نفسها طرفا محايدا في الأزمة، إلا أن ميلها لدعم حكومة الوفاق أضعف مقولة الحياد التي لطالما رددتها.ويؤكد المتابعون للشأن الجزائري وتطورات ملف الأزمة الليبية أن الجزائر أثبتت أنها أقرب لتركيا التي أججت الانقسام في الساحة الليبية من خلال تدخلها عسكريا دعما لحكومة الوفاق الوطني، من دول الجوار الأخرى التي تدفع لمصالحة ليبية.وهذا التقارب بين تركيا والجزائر في ملف حساس بالنسبة للأمن القومي العربي والإفريقي، يشكل نقطة ضعف أخرى للدبلوماسية الجزائرية.وفور وصوله إلى طرابلس، اجتمع بوقادوم مع رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج وبحث معه تطورات الأوضاع في البلاد ومستجدات الحل السياسي.وقال الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي غالب الزقلعي، إن "السراج بحث مع وزير الخارجية الجزائري المسار الأمني في ليبيا والأمن القومي الليبي الجزائري"، مضيفا "النقاش تركز على التعاون الأمني بين البلدين وتهيئة الظروف الأمنية لتفسح المجال للتعاون الاقتصادي. تطرق الطرفان كذلك إلى مشكلة أزمة الكهرباء في ليبيا وسبل التعاون لحل هذه المشكلة".وقال حسين النجار مدير مكتب الإعلام بالمجلس الأعلى للدولة الليبي، إن الوزير الجزائري عقد كذلك اجتماعا مع رئيس المجلس خالد المشري، مضيفا أن الجانبين بحثا خلال اللقاء تطورات الأوضاع في ليبيا والحوار السياسي لحل الأزمة في البلاد.وأكد أن "زيارة بوقادوم تأتي في إطار دعم الجزائر لملتقى الحوار السياسي الليبي".ومن المرتقب أن يلتقي الوزير الجزائري مسؤولين ليبين في طرابلس في وقت لاحق من مساء الأربعاء.وكانت الجزائر تمثل ثقلا إقليميا ويفترض أن يكون لها دور وازن خاصة في ما يتعلق بملفات حساسة ومنها الملف الليبي، حيث أن الاستقرار في ليبيا يعتبر حيويا لأمن الجزائر، إلا أن الأزمة الداخلية وحالة الجمود السياسي أرخت بظلالها على الدبلوماسية الجزائرية.وقدمت في السابق أكثر من مبادرة لحل الأزمة في ليبيا إلا أنها كانت أضعف من أن تدفع طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات ووصلت في خواتمها إلى طريق مسدود على خلاف المبادرات المغربية التي أسست لتسوية يجري الآن مناقشتها وسط تقدم على أكثر من مسار.وشاركت الجزائر في مؤتمر برلين الذي كان الهدف منه تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع ودفعهما لوقف إطلاق النار، لكن لم يكن دورها مؤثرا كما كان يفترض أن يكون. ويسود ليبيا منذ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 هدوء بعد اتفاق لوقف إطلاق النار فيما تستمر الجهود السياسية وجهود لجنة 5+5 التي أصبحت تعرف أمميا ورسميا بلجنة الـ10 (تضم ممثلين عسكريين ليبيين 5 عن شرق ليبيا و5 عن غربها)، لتثبيت وقف إطلاق النار والانتقال إلى تعزيز الشق السياسي للقاءات بوزنيقة وملتقى الحوار الليبي في تونس في إطار تسوية قريبة للأزمة.
مشاركة :