شيئًا فشيئًا تتعدَّدُ وتتنوَّعُ وتتفاقَمُ مشكلاتُ العربِ مقارنةً بغيرِهِم من شعوبِ العالمِ بمَن فيهِم الأفارقةُ.. والمثيرُ للدهشةِ، بل الحسرةِ أنَّ الأفارقةَ عندمَا كانُوا يحضرُونَ كمراقبِينَ، أو كضيوفٍ، أو كمشارِكينَ في أيِّ قمةٍ عربيةٍ يحضرُونَ معهُم مشكلاتِهم المستعصاةَ علَى الحلِ؛ من حروبٍ أهليةٍ، وأُخْرَى إقليميةٍ، ناهيكَ عنْ مشكلاتِ الجوعِ والجفافِ، وغيرها! تذكَّرتُ ذلكَ أمس، وأنَا أستعرضُ مشروعَ إعلانِ الكويتِ الذِي صاغَهُ وزراءُ الخارجيةِ العربُ والأفارقةُ قبلَ بدءِ القمةِ العربيةِ الإفريقيةِ اليومَ! واليومَ نظرةٌ واحدةٌ على مشكلاتِ العربِ وقضايَاهم المستعصاةِ؛ تؤكِّدُ -بمَا لا يدعُ مجالاً للشكِّ- أنَّ الثقوبَ في الخريطةِ العربيةِ تتجاوزُ نظيرتَهَا في الخريطةِ الإفريقيةِ! في السابقِ كانَ المندوبُونَ العربُ يسارعُونَ بالتوجُّهِ إلى إفريقيَا للمساهمةِ في حلِّ النزاعاتِ، وبترِ الخلافاتِ، وتهدئةِ الأوضاعِ بينَ الدولِ الإفريقيةِ وبعضِهَا، وبينَ أبناءِ كلِّ دولةٍ علَى حدةٍ! في السابقِ كانَ حضورُ ممثلِ الاتحادِ الإفريقيِّ، أو منظمةِ الوحدةِ الإفريقيةِ محضُ تمثيلٍ مشرفٍ، أو واجبٌ تقتضيهُ طبيعةُ المؤتمراتِ والعلاقاتِ! فإنْ جاءَ عليهِ الدورُ في الحديثِ أهلاً وسهلاً، وإنْ لمْ يجئْ (يَا دار ما دخلك شرّ)! الآنَ -وبنظرةٍ سريعةٍ- أصبحَ سطوعُ الممثلِ الإفريقيِّ في أيِّ قمةٍ لا يخفَى علَى العينِ، بلْ إنَّ هذا المندوبَ باتَ يطوفُ بينَ العربِ للمساهمةِ في حلِّ مشكلاتِهم ونزاعاتِهم مع بعضِهم البعضِ من جهةٍ، ومع إخوتِهم في الدولِ العربيةِ المجاورةِ من جهةٍ أُخْرَى. وعن خريطةِ الوجعِ العربيِّ مقارنةً بالإفريقيِّ حدِّثْ ولاَ حَرَج، فالقاهرةُ عاصمةُ الجامعةِ العربيةِ يكادُ قلبُهَا النابضُ يتوقفُ من فرطِ الألمِ علَى الأحوالِ فِي مصرَ.. وليبيَا تنزفُ، وتونسُ تلملمُ جراحَهَا، والجزائرُ تعيدُ فتحَهَا مع قربِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ، والسودانُ يشاورُ نفسَهُ! فإذَا انتقلتَ للشقِّ الآسيويِّ من الخريطةِ العربيةِ التي تتشابكُ فيهَا مصرُ جغرافيًّا وتاريخيًّا، وجدتَ سوريَا تصرخُ دونَ مجيبٍ، والعراقَ ينتقمُ من نفسِهِ دونَ رقيبٍ، ولبنانَ بلاَ حكومةٍ حتّى الآنَ، والبحرينَ تُهدَّدُ مِن قِبَل إيران، واليمنَ يكادُ يعودُ يمنين! الأكثرُ عجبًا وحسرةً أنَّ القواسمَ العربيةَ والإسلاميةَ في القارةِ الإفريقيةِ هِي التِي تعانِي وتنزفُ، فالصومالُ ضاعَ بالفعلِ، ووزيرُ خارجيةِ مالِي يُحمِّلُ القواتِ الفرنسيةَ مسؤوليةَ تجددُ العنفِ في كيرال، وموريتانيَا تنامُ وتصحُو على سيرةِ الانقلابِ، فيمَا يشبهُ الإدمانَ، وسبحانَ مغيّرِِ الأحوالِ! لقدْ أفصحَ إعلانُ الكويتِ عن رغبةٍ عربيةٍ (حقيقيةٍ هذه المرّة) في توطيدِ العلاقاتِ العربيةِ الإفريقيةِ. بلْ إنّ بنودَه الـ27 تلحُّ في طلبِ الصداقةِ والتعاونِ والتنسيقِ بعدَ أنْ اتَّضحَ وسيتَّضحُ كلّ يومٍ أنَّ الصديقَ لمْ يعدْ صديقًا، وأنَّ التعاونَ مع إفريقيَا الصادقةِ النقيةِ غير الانتهازيةِ أفضلُ كثيرًا من أيِّ كتلةٍ تستميلنَا وقتمَا تريدُ، وتبحثُ عن غيرنَا وقتمَا تريدُ، وتستغلنَا وقتمَا تريدُ! آنَ للعربِ أنْ يُنفِّذُوا برامجَ حقيقيةً للتعاونِ العربيِّ الإفريقيِّ، تتجاوزُ الجفافَ والملاريَا والسلَّ، أملاً في جسدٍ عربيٍّ عربيٍّ إفريقيٍّ سليمٍ، وقلبٍ خالٍ من السلِّ والمكرِ والخداعِ والغلِّ! sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :