تشرشل هو من قال بتحالفه مع الشيطان في سبيل انتصاره في الحرب العالمية الثانية، وفلاسفة بريطانيا هم من شرعوا الغاية تبرر الوسيلة، وأنه لا صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة، وأن قوانين حقوق الإنسان تُعطل في حالة تهديد أمنها الوطني.. وباختصار أكثر فهي من صنع أزمات العالم قديماً وحديثاً عندما هجّرت أقليات لبلدان مستعمراتها لغاية تمكينهم من السلطة، ودعم جيشها ومناطق نفوذها، لتجد تلك الأقليات أنها في حالة حرب مع الشعوب الأصلية لتنتشر الحروب الأهلية والحدودية، ويبدأ تقسيم البلد الواحد إلى بلدان موزعة عرقياً أو مذهبياً.. بريطانيا تفاخر بأنها كونت إمبراطوريتها على مبدأ السياسة القذرة أي اعتماد مبدأ إباحة المحرم في سبيل تحقيق أهدافها، ونحن في المنطقة العربية لو نسينا «سايكس - بيكو» وتقسيم بلاد الشام، فإننا لا نستطيع المسح من ذاكرة أجيالنا إعلان التعبئة العامة في كل مناشطها لخلق دولة إسرائيل، وبمعنى عام فإننا من المستحيل إعطاء الثقة لسياسة بلد يريك كل الوجوه.. الصنداي تايمز البريطانية سرّبت أخباراً عن اتصالات سعودية - إسرائيلية الهدف منها فتح الأجواء السعودية لضرب إيران، وقبل أن نرد على هذا الزعم، فقد تقدمت المملكة بمشروع صار عربياً بطرح خطة سلام كامل تكون إسرائيل دولة تندمج مع محيطها العربي وباعتراف متزامن مشروط بعدة اتفاقات توقف أسباب الحروب بين الطرفين وخارجها، ولأنها رفضت بدعوى أن من يحمي ظهرها الدول الأوروبية وأمريكا، فإن عقيدة أن تظل القوة المطلقة تجاه العرب أو الدول الإقليمية الأخرى مثل تركيا وإيران هي المانع المبرر، وأما موضوع الاتصال معها، فأمر ليس جديداً، وغالباً ما يوضع ذلك في سياق تعكير الأجواء، ونحن اعتدنا على مثل هذه الحكايات الساذجة.. إيران بلد مسلم، ونحن ضد من يحاول الإخلال بأمنه، وصحيح أننا على علاقة غير منسجمة لأسباب عديدة ومعروفة، إلا أن أخلاقنا الإسلامية تمنعنا من الاستعانة بعدو لضرب أخ مسلم حتى لو وصلت القطيعة لحدود اللاعودة، وثانياً فإن أي عمل عسكري قد يضع المنطقة في حال حريق هائل، ولا يوجد لاعتبارات مذهبية أو دينية ما يجعل التدمير لكل الأطراف مغامرة مقبولة، وقد وقفنا ولا نزال ضد الإخلال بالأمن من أي وجه أو قوة خارجية.. نحن نملك الشجاعة وليس التستر، لو كان بيننا وبين إسرائيل حوارات أو لقاءات لبررناها بأن هناك دولاً عربية سبقتنا لذلك وحتى أصحاب القضية من الفلسطينيين هم في لقاءات وحوارات معها، لكن أن نوضع ضمن دوائر الشكوك كما أرادت الصحيفة البريطانية فهو أمر مرفوض، ونعرف أنه في الأسابيع الماضية كنا هدفاً لحرب إعلامية حادة من قبل صحف أمريكا وأوروبا بغية التخلي عن واجبنا العربي، ورفض الإملاءات على ما يعتبر استقلال قرارنا وحريتنا، وخاصة الوقفة مع مصر ورفض عضوية مجلس الأمن، وهما ما ألهب خيالات صحافة تلك الدول بوضعنا داخل دائرة المساءلة بأننا وحوش نرفض حق المرأة، ومساندة الإرهاب، وكل ما يتصل بالعلاقة مع غير المسلمين، في وقت تحتل بريطانيا وحدها أهم وأكبر علاقات اقتصادية وتجارية لأي بلد عربي مع المملكة، وبالتالي إذا كنا الضد والمنبوذ والمكروه، فلماذا نحن الشركاء لتلك الدول، وفتحنا آفاقنا لعلاقات شاملة؟ كلّ ما يقال لا يهمنا وإن كان يضر بسمعتنا بحكم سطوة إعلام تلك الدول غير أن الحقيقة هي من يبدد الشبهات، ويلغي الشكوك المصطنعة..
مشاركة :